جلالة الملك يلتقي الرئيس عباس
التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نظيره الأردني الملك عبد الله الثاني في العاصمة الأردنية عمان، في اجتماع قالت وسائل إعلامية إسرائيلية إنه "غير مخطط”، وذلك لبحث إمكانية إحياء عملية السلام في المنطقة، في أعقاب الزيارة الأخيرة لملك الأردن للولايات المتحدة، الشهر الماضي، والتي وصفها المراقبون بـ”المهمة”.
وقالت صحف إسرائيلية إن طائرتي هليكوبتر أردنيتين هبطتا يوم الأحد الماضي، في مقر المقاطعة "المجمع الرئاسي للسلطة الفلسطينية” في رام الله بالضفة الغربية المحتلة، ونقلتا الرئيس محمود عباس لعقد اجتماعه مع العاهل الأردني في العاصمة عمان، ضمن وفد رفيع المستوى ضم كلا من وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، ورئيس جهاز المخابرات العامة ماجد فرج، فضلاً عن رئيس الهيئة العامة للأحوال المدنية حسين الشيخ.
ويأتي الاجتماع المذكور بعد أيام من لقاء مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وليام بيرنز مع الرئيس عباس، إلى جانب رئيس المخابرات العامة الفلسطيني ماجد فرج، الذي وصفته الصحف بأنه "الأكثر ثقة لدى الإدارة الأمريكية”.
وكان مساعدو الملك عبد الله قد وصفوا اللقاء الذي جمعه بالرئيس الأمريكي وأعضاء من الكونغرس الأمريكي وقادة أمريكيين أخرين في يوليو/تموز الماضي بـ”البناء”.
وبحسب المراقبين فإن مساعدي الملك عبد الله قالوا إن الزيارة أثمرت عن نتائج كانت الأردن تسعى للحصول عليها، ومن بينها أن الإدارة الأمريكية أعلنت عن دور الأردن ووصاية الهاشميين على المواقع الإسلامية والمسيحية في القدس الشرقية، رغم عدم احتياج العاهل الأردني إلى تفويض من الإدارة الأمريكية للعب دور في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
كما أن الملك عبد الله حصل خلال الزيارة على دعم أمريكي لاستئناف دوره في المنطقة، وأنه منذ بدء عملية السلام، لعب الأردن دوراً رئيسياً في سد الفجوات والتغلب على العقبات، وفي التقريب بين الأطراف وحل بعض التعقيدات”.
علاوة على أنه بحاجة إلى "أن يناقش مع الرئيس الفلسطيني ويتبادل معه تقييماته وانطباعاته وقراءاته من زيارته الأخيرة للولايات المتحدة”.
ولفتت الصحف التي تداولت نبأ اللقاء إلى أهميته رغم إلى أن الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني ليس على رأس جدول أعمال الرئيس بايدن، فهو منشغل بعدة أمور، منها فشل الولايات المتحدة المطلق في أفغانستان، وعدم إحراز تقدم في المفاوضات النووية الإيرانية، والصين، وروسيا، فضلاً عن "الأزمات الداخلية”.
ووفقاً لعريب الرنتاوي، مؤسس ومدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمان، فإن الجهود المبذولة تدور حول نقطتين، الأولى إنقاذ السلطة الفلسطينية التي تواجه حالة خطيرة من الانغلاق السياسي ومأزق اقتصادي ومالي غير مسبوق، مضيفاً: "السلطة على وشك الإفلاس المالي، حيث تدفع رواتب موظفيها على أقساط”.
وقال الرنتاوي: ” السبب الثاني هو طريق استعادة الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين”.
وتشير الأنباء إلى أن العاهل الأردني عقد مع الرئيس الفلسطيني اجتماعا خاصا في البداية ثم عقدا اجتماعا مع وفديهما.
وقال أحمد رفيق عوض، رئيس مركز دراسات القدس في جامعة القدس، إن هناك "محاولات دائمة للتنسيق بين الموقفين الأردني والفلسطيني، والزيارة في إطار الدور الأردني الهام والحاضر دائماً والذي لا يمكن تهميشه”.
وفي تحليله لإمكانية قبول السلطة الفلسطينية العودة للمسار التفاوضي، قال عوض إن "السلطة الفلسطينية تمر بأوقات عصيبة، لا سيما بعد تظاهر مئات الفلسطينيين في أنحاء الضفة الغربية ضد الرئيس محمود عباس، ومطالبتهم بإسقاط النظام، ودعواتهم للرئيس عباس بالتنحي”.
وأشار إلى أن الاجتماع الذي جمع الرئيسين من شأنه أن يعمل على استقرار السلطة الفلسطينية سياسياً واقتصادياً، متوقعا أن تشهد المرحلة المقبلة عقد عديد من الاتفاقيات التي قالها إنها قد تكون مليئة بـ”الحوافز”.
وتابع: "نحن لا نتحدث عن تسوية سلمية بالمعنى الواسع، لكن الأردن سيلعب دورًا محوريًا وهامًا للغاية في عملية ومسألة إدخال هذا النهج”.
وفي مقابلة مع قناة "سي إن إن” الأمريكية خلال زيارته، تحدث الملك الأردني بصراحة عن حكومة إسرائيل الجديدة، على الرغم من معرفته بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت هو قومي يميني يعارض حل الدولتين، مما يضعه في معارضة مباشرة لموقف الملك، إلا أنه أصر على "أن حل الدولة الواحدة سيكون أكثر تحديا للإسرائيليين”.
وعن إمكانية العودة للمسار التفاوضي ولعب الأردن دوراً واضحاً في هذا السياق، في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، يعتقد الرنتاوي إن التقارب الحالي "سطحي وهش”، لا سيما وأن الحكومة الإسرائيلية الجديدة لا تختلف عن حكومة بنيامين نتنياهو، بل هي أكثر صرامة في عدد من القضايا، وفق قوله.
وتابع: "مستوى الانتهاكات الإسرائيلية للحرم الشريف والمسجد الأقصى في عهد بينيت لم يتراجع، مما يهدد الوصاية الهاشمية على هذه الأماكن، فبينيت هو أول رئيس وزراء يعلن حق اليهود في الصلاة في المسجد الأقصى، وهذا تطور خطير”.
بدورها، تحدثت يوني بن مناحم، الباحثة الأولى في مركز القدس للشؤون العامة، عن أن كل الدعاية التي تدور حول بدء العلاقات الجديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي مجرد "ضجة كبيرة حول اللاشيء”.
وقالت: "إنها فترة شهر عسل جديدة بين إسرائيل والأردن، ولكن عندما يبدأ الملك عبد الله بمطالبه، فإن كل ذلك سيتغير”، متطرقة للاجتماع الذي جمع العاهل الأردني برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، وأثمر عن موافقة إسرائيلية على بيع 50 مليون مكعب من المياه للمملكة الهاشمية، وهي زيادة كبيرة مقارنة مع 30 مليون متر مكعب كان الأردن يتلقاها من إسرائيل بموجب معاهدة السلام بين الجانبين عام 1994.
وأوضحت أن العلاقة بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو كانت "فاترة”، لكن الكثيرين يتساءلون كيف سيتمكن الملك من إقامة علاقة عمل مع بينيت، الذي يُنظر إليه على أنه أكثر صقوراً من سلفه”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بيتين قد أعلن في وقت سابق، تأييده لضم إجزاء من الضفة الغربية، مبدياً موافقته القوية لتوسيع الاستيطان.
يشار إلى أن لقاء الملك عبد الله الثاني بنظيرة الأمريكي جو بايدن، الشهر الماضي، والذي وصفه بـ”الصديق الجيد والمُخلص والمحترم”، جاء "لإعادة إحياء موقف العاهل الأردني”، لا سيما وأنه جاء بعد أربع سنوات هي فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي رفض خلالها الملك عبد الله خطته للسلام في الشرق الأوسط بما يسمى "صفقة القرن”.
ووصفها في حينه بأنها تشكل”تهديداً للأمن القومي وتقويض للوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس، والتي كانت مصدراً رئيسياً لشرعية الأسرة الهاشمية الحاكمة في الأردن، منذ ما يقرب من قرن من الزمان”.
كما يرى المراقبون أن كل هذا التقارب يأتي في إطار الاحتواء وإدارة الأزمات، وليس في سياق البحث عن حل جاد ودائم للصراع في المنطقة، إذ يقول الرنتاوي "لا يبدو في الأفق أن هناك إرادة واستعداد إسرائيليين لحل النزاع، ولا يبدو في الأفق إرادة أمريكية لاستثمار الجهود والموارد من أجل إيجاد حل دائم”.
وأضاف: "وحدها واشنطن لديها الأدوات للضغط على إسرائيل للعودة إلى طاولة المفاوضات”.
القدس العربي