“العقبة الاقتصادية”.. كيف نعيدها لفكرتها الأساسية؟

مكرم أحمد الطراونة

على الموقع الرسمي للحكومة الإلكترونية وتحت عنوان "منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة.. بوابتك للاقتصاد العالمي”، نطالع كلمات تشعرنا بأننا أمام مشروع استثماري ضخم أسهم في رفد ميزانية الدولة بمليارات الدنانير. شرح فكرة تحول العقبة إلى منطقة اقتصادية خاصة يؤكد أن ما يدون من كلام وخطط ما هو إلا ضرب من الخيال، فالواقع مغاير تماما، وكارثي إن جاز التعبير.
بعد سنوات طويلة من إنشاء منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة التي كانت فكرتها تقوم على خلق مركز إقليمي متطور يكون بمثابة حلقة من حلقات التنمية الاقتصادية المتكاملة والمتعددة الأنشطة، نجد أننا أمام قصة محزنة ومؤلمة كان أبطالها مسؤولين وحكومات لم يدركوا أهمية الفكرة، فدخلت فيها الاجتهادات الشخصية والصراعات التي قضت على جوهر الفكرة، بحسب ما أكد لي بعض من تسلموا رئاستها، لافتين إلى أنها "حوربت من جهات عديدة ونافذة، وعانت من تدخلات حكومية أدت لفقدان المشروع بوصلته، وأضعفت المدينة”.
العقبة، كغيرها من المشاريع الأردنية المتعثرة، لا تعلم كيف تفشل، ولمصلحة من. غياب القيادة الحقيقية وضعف الإدارة والإرادة أسهم في كل ذلك، فتضيع الأسئلة: كيف فقدنا العقبة، وهل من الممكن أن نعيدها الآن إلى فكرتها الأساسية، أم أنها كغيرها من المشاريع التي سرعان ما يطويها النسيان كميناء معان البري وسكة حديد العقبة؟
ولي العهد قال خلال زيارة له مؤخرا للعقبة إنها فقدت بوصلتها، في إشارة إلى أن المشروع لم يحقق الغاية الأساسية منه. العديد من أصحاب الاختصاص تحدثوا في أعقاب ذلك عن الأسباب، والتي تتلخص في غياب القيادة والإدارة، فلم ننجح سياحيا، ولا استثماريا، بل إن سكان المنطقة لم يستفيدوا ماديا. أي لا شيء مما خطط له، فلم تصبح المدينة ذات قيمة إضافية للبلد.
الأسباب كثيرة، والحديث في تفاصيلها محبط، ومربك، وكالعادة فالدولة متسامحة، ولا تنتهج سياسة محاسبة المسؤول الذي يفشل في تأدية مهامه. ليس بالضرورة أن يكون المسؤول لصا حتى يحاسب، بل يكفي أن يكون سلبيا لا يؤدي مهامه ولا يعنيه إلا الكرسي لكي يتم ذلك، فأخذ الأمور كمشيخة هو ما أوصل البلد إلى هذه الحال.
قانون سلطة العقبة أمام مجلس النواب اليوم للتعديل، وبحسب مختصين فالتعديلات جيدة، ومطلوبة، لكن هل ستكون كافية لبث الروح من جديد في المدينة؟ حتما لا، فتعديل التشريع جزء من مكونات مهمة يجب أن تتوافر إذا ما أردنا استعادة العقبة، وعلى رأسها وقف تدخل الحكومات في عملها، واختيار أشخاص مؤهلين يدركون ماذا نريد، وكيف يتحقق ذلك، والسؤال الذي لا إجابة عنه هنا هو: من هو المؤهل الذي سيختار شخصا مؤهلا؟ (الغد ستنشر توصيات خبراء ومسؤولين سابقين في هذا الإطار في تقرير موسع الأسبوع الحالي).
في العام 2020 تم تشكيل لجنة وزارية من أجل العقبة تضم وزراء ومسؤولين، ومع مرور أكثر من عام ونصف على اللجنة لم نعرف ماذا فعلت حتى هذه اللحظة، هل اجتمعت، وهل شخصت الحال ووضعت تصورا لحلول ناجعة؟ يبدو أن عمل اللجنة يتم بسرية بالغة!
العقبة قد تكون حلا لكثير من المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها البلد، ومن المحزن أن تفقد ميزتها في هذا الوقت الحساس ماليا واقتصاديا، ونحن نعاني عجزا ماليا ودينا مرتفعا، ونسب بطالة تاريخية، إضافة إلى أرقام الفقر التي وصلت إلى مديات خطيرة.
حتى اللحظة، لا نستطيع فهم لماذا ينجح غيرنا في مشاريعه، بينما نحن مهمتنا الأساسية تكمن في التجريب والتخريب، ولا ننجح سوى في إعادة إنتاج المعاناة والفشل، وأن نبقى نتطلع إلى غيرنا بحسرة!