95 % من طلبات زواج الأطفال تحظى بالموافقة الرسمية

نادين النمري

عمان – أظهرت أرقام دائرة قاضي القضاة أن 95 % من طلبات زواج الأطفال المقدمة لمكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري العام الماضي، تمت الموافقة عليها، فيما عزا مختصون ارتفاع النسبة لظروف جائحة كورونا التي دفعت العديد من الأسر لتزويج بناتهن في سن صغيرة تخفيفا من الأعباء الاقتصادية.
وقال مختصون خلال ورشة عمل نظمها مركز العدل للمساعدة القانونية أول من أمس حول "الإطار التشريعي والإجرائي الناظم لمنح الإذن بزواج من هم دون سن 18 عاما” إن التعليمات تعد خطوة ايجابية في مجال "تقييد المباح” لكن المطلوب الآن تعديل التعليمات لضمان تطبيق الاستثناء الوارد في القانون، ووفقًا لمبدأ المصلحة، وفي أضيق الحدود.
وشدد هؤلاء على أن مسالة زواج الأطفال لا تقتصر فقط على تحديد سن الزواج أو التعليمات، بل هناك حاجة لتوفير نهج شمولي يتعامل مع جميع الجوانب القانونية والاجتماعية والصحية والتعليمية.
وخلال الورشة، استعرضت المديرة التنفيدية لمركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبدالعزيز دراسة أعدها المركز حول "تحليل الإطار التشريعي والإجرائي الناظم لزواج من هم دون سن 18 عاما، حيث أكدت ضرورة العمل على تعديل تعليمات زواج هذه الفئة لتحسين الضوابط التي تحكم إجراءات منح الإذن، لا سيما بعد أن طرأ تعديل على نص المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية خلال العام 2019، الذي صدرت بموجبه التعليمات.
وأكدت أن ورود آلية للتحقق من تطبيق كافة الشروط الواردة ضمن تعليمات منح الإذن بالزواج لمن هم دون سن 18 عاما؛ تضمن تحقيق المصلحة وتجنّب طرق التحايل على النصوص القانونية.
وبحسب الدراسة، فرغم ان احصائيات دائرة قاضي القضاة تظهر تناقصا في أعداد حالات الزواج لهذه الفئة للأعوام 2017 و2018 و2019، فإن أعداد حالات زواج الأطفال عادت للارتفاع في العام 2020، وهو ما فسره المشاركون بتبعات جائحة كوفيد- 19، حيث دفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة بالأسر الى اعتماد سبل تكيف سلبية، كتزويج بناتهن في سن صغيرة، وإغلاق المدارس والتوجه للتعليم الإلكتروني؛ حيث دفع عدم القدرة على الوصول الى هذا النوع من التعليم بعض الفتيات إلى الزواج.
وبحسب احصائيات دائرة قاضي القضاة، بلغ عدد حالات الزواج لمن هن دون سن 18 العام الماضي 7964 من أصل 67389 حالة زواج، بنسبة 11.8 % مرتفعة عن العام 2019، الذي بلغت حالاته 7224 بنسبة 10.6 %، وفي العام 2018 كان العدد 8226 بنسبة 11.6 %، وفي العام 2017 (10434) حالة بنسبة 13.4 %.
ومن خلال واقع الأرقام الصادرة عن دائرة قاضي القضاة، وعلى الرغم من انخفاض حالات الزواج لمن هم دون 18 سنة، إلا أنه يلاحظ ارتفاع نسبة منح الإذن في الطلبات التي تقدّم وبنسب تصل إلى 95 % من مجمل الطلبات التي قدّمت لمكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري، وفق التقرير السنوي لدائرة قاضي القضاة.
واعتبرت الدراسة أن أرقام إذن الزواج لمن هم دون 18 سنة تبرز ميلا إلى عدم التعامل مع الإذن كاستثناء، خلافا لما أراده المشرع من التعديل الذي أدخل على قانون الأحوال الشخصية في العام 2019.
وتناولت الدراسة نسب منح أو رفض الطلبات المقدمة للحصول على الإذن بالزواج حسب التوزيع الجغرافي لمكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري وعددها 21 مكتباً، وفقا لتقرير دائرة قاضي القضاة للعام 2020، اذ بلغ عدد الحالات التي منح بها الاذن 6401 حالة، فيما رفض الاذن في 339 حالة بنسبة منح اذونات قدرها 95 %.
وفيما لم تتوفر بيانات للعام 2019 فان ارقام العام 2018 أظهرت أن نسبة الأذونات الممنوحة بلغت 96 %، و82 % للعام 2017.
وهدفت الدراسة إلى إجراء تحليل قانوني للإطار التشريعي الناظم لزواج الفئة المذكورة، للوقوف على مدى مراعاة النصوص القانونية والإجراءات الواردة في التعليمات والنماذج المستخدمة، ما يضمن تطبيق الاستثناء وفقًا لمبدأ المصلحة وفي أضيق الحدود.
وشددت الورقة على ضرورة التعامل مع التعليمات ضمن "حالات خاصة” حسبما ورد في نصّ مادة القانون الذي أصدرت بموجبه التعليمات، على أن يكون التعامل هنا كاستثناء ويطبّق في أضيق حدود، على غرار تطبيق الاستثناءات الأخرى التي أوردها المشرع، وتشديد الإجراءات المتبعة خلال تنفيذها في الواقع، كما هو الإجراء المتبّع في إجراء طلبات عضل الولي، التي يتم التشدّد في النظّر بأسباب قبولها، على سبيل المثال.
وقالت الدراسة: "مع التأكيد على وجود بعض الحالات التي تحتاج إبقاء العمل على هذا الاستثناء وفقًا لطبيعة الظروف المعيشية عمومًا، إلا أنه بلا شك أن التطبيق كإجراء استثنائي يتطلّب العمل على توفير ضوابط وأسس في بعض الموضوعات التي تطرّقت إليها التعليمات في نصوصها لضبط العمل بها كاستثناء، وعليه نورد مجموعة من التوصيات التي تصبّ في تحقيق المصلحة لمقدمي طلب الزواج ممن هم دون 18 سنة وبعد تحقق شرطي الرضا والاختيار.”
ودعت إلى منح الاختصاص الكامل لمكاتب الإصلاح الأسري، وذلك بأن يتاح لمكاتب الإصلاح والتوفيق الأسري المجال لدراسة كافة الطلبات المقدمة لمنح الإذن بالزواج، وفي حالات الرفض والقبول، بحيث تُعامل كافة الطلبات المعاملة ذاتها، وأن تتم مراجعتها وتدقيقها بشكل يناسب ويتوافق مع ضرورة التحقق من شروط تطبيق الاستثناء، الأمر الذي من شأنه ضمانة تحقيق القانون والتقيّد به، وإضفاء صبغة المراقبة على تطبيق التعليمات في أضيق الحدود وبما يناسب طبيعة كل حالة على حدة.
ودعت في توصياتها الى تفعيل العقوبات الواردة في التشريعات، في حالات العقود التي تتم خارج إطار القانون، لغايات الحدّ من تجاوز القانون والتحايل عليه خلافًا للتشريع؛ وهو ما يتطلّب التشدد في التعامل مع الحالات المخالفة، وعدم الاكتفاء باللجوء إلى فرض الغرامة المالية في حالات المخالفة لأحكام سن الزواج، واللجوء إلى المحاكم المختصة في هذا الشأن.
كما دعت إلى تطبيق النص الوارد في قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية الذي جرّم مثل هذا الفعل، وسنّ عقوبة تصل إلى السجن ستة أشهر في حال إجراء مراسم الزواج خلافًا لقانون الأحوال الشخصية.
وطالبت الورقة بتطوير الإجراءات المطبقة ضمن دورات المقبلين على الزواج لضمان كفاءة مثل هذه الدورات ومدى الحاجة إليها؛ وضرورة وجود معايير واضحة يتم على أساسها تنظيم العمل بها، بما يتناسب وواقع الخاطبين والتحقق من إدراكهم لواقع وماهية الزواج والتعرّف إليه من مختلف النواحي، بحيث تضبط هذه المعايير محتوى تلك الدورات بما يتوافق مع مصلحة الخاطبين من كافة الجوانب التوعوية والصحية والمعيشية.
وتتضمن معايير محتوى الدورات: التوعية بالجوانب الصحية، والحصول على المعلومات حول الصحة الإنجابية، والتوعية بماهية الزواج وبالثقافة الجنسية قبل الدخول في تلك التجربة لإزالة المخاوف الصحية، وغيرها من الموضوعات المهمة في هذا الإطار؛ وهي من المواضيع التي يحتاج إليها الخاطبون، إضافة إلى موضوعات تتعلق بالحقوق والواجبات؛ لغايات الوقاية من العنف الأسري والحد منه، وتوفير المعلومات اللازمة حول إجراءات الحماية، وتحديد حد أدنى/ أعلى للساعات التي يخضع لها المقبلون على الزواج؛ لضمان كفاءة وجودة هذه الدورات وتفعيل اعتماد الجهات التي يمكن أن تنفذ من خلالها الدورات بوضع معايير واضحة للاعتماد.
ودعت الورقة الى ان تنص التعليمات على تضمين أي شروط ترغب بها المخطوبة ضمن حجة الإذن بعد تقديم الطلب والموافقة عليه؛ إذ يتطلب التعديل على النص أن يكون من واجب القاضي إفهام الخاطبة لحقها في وضع الشروط وتوثيق أي شروط نافعة لها، سواء استمراريتها في التعليم النظامي أو غيره من حقوق ضمن عقد الزواج وليس وفي وثيقة منح الإذن، لضمان عدم الإخلال بالشروط.
ودعت إلى إعادة النظر في نموذج طلب منح الإذن بالزواج لمن هم أقل من 18 سنة، وتضمين التعليمات نصوصًا توضح آليات وإجراءات الإذن وتحديد من يتقدّم به للقاضي، وتعديل نموذج طلب الإذن المعتمد حاليًا حسبما هو منشور ضمن دليل نماذج دائرة قاضي القضاة، بحيث يكون تقديم الطلب من قبل الخاطب إذا كانت المخطوبة أقل من 18 سنة، ومن ولي الأمر إذا كان الخاطب هو القاصر الذي يرغب بطلب الإذن.
وتضمنت ورشة العمل مداخلات متوزعة ضمن جلستين عمل، إذ تضمنت الجلسة الأولى أيضًا مداخلة لعرض أبرز ما خلصت إليه الخطط والاستراتيجيات المعدة من قبل المجلس الأعلى للسكان في السياق، ودور دائرة قاضي القضاة واجراءاتها في تنظيم منح الإذن بالزواج لمن هم دون سن 18 عاما.
وتناولت الجلسة الثانية الآثار الصحية المترتبة على الزواج لمن هم دون هذه السن، ومداخلة للمجلس الوطني لشؤون الأسرة حول الآليات العلمية لتطبيق خطة العمل الوطنية لتنفيذ توصيات دراسة "زواج القاصرات في الأردن”، فيما تطرقت المداخلة الأخيرة للجنة الوطنية لشؤون المرأة إلى الحديث حول تطلعات نحو حلول وبدائل للحد من هذا الزواج.
وجاءت أبرز التوصيات بالتركيز على ضرورة تكامل الجهود من قبل كافة الجهات المعنية والمختصة بما فيه تحقيقًا للمصلحة والضرورة لمن هم دون 18 عاما، إضافة إلى ضرورة الوقوف على أثر دورات المقبلين على الزواج لغايات تطوير الدورات أو التعديل عليها.
كما تضمنت التوصيات التأكيد على اهمية مراعاة الآثار الصحية النفسية والجسدية المترتبة على الزواج، والحاجة لإجراء دراسة تشاركية متخصصة تركز على مراعاة الإجراءات للمصلحة والضرورة، وأن تأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الخاصة باللاجئين، وإيجاد قاعدة بيانات شاملة لكافة المناطق والفئات والجنسيات، وأن يتم العمل عليها بشكل مستمر لمتابعة العمل بالتعليمات بشكل يضبط الإجراءات وبما يراعي المصلحة والضرورة حسبما جاء عليه النص في القانون.
وشارك في الجلسة النقاشية ممثلون عن دائرة قاضي القضاة واللجنة الوطنية لشؤون المرأة والمجلس الأعلى للسكان والمجلس الوطني لشؤون الأسرة، وزارة التنمية الاجتماعية ووزارتي الصحة والتربية والتعليم ودائرة الإحصاءات العامة وممثلون من مختلف إدارات الأمن العام، واتحاد المرأة والمركز الوطني لحقوق الإنسان ومركز الدراسات والبحوث- مؤسسة الملك حسين والمركز الوطني للعناية بصحة المرأة، إضافة إلى مجموعة من منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية.
العد