السياحة الداخلية تدعم اقتصاد السعودية
الرياض – رويترز: عندما افتتح الطاهي الأمريكي الشهير ديفيد بيرك مطعمه الثاني في الرياض هذا الشهر، توافد مئات السعوديين والسعوديات على المكان للاستمتاع بأطباقه ومزيج مشروباته المصنوع من الفاكهة والمياه الغازية وسط إيقاع مزيج من موسيقى البوب العربية والغربية.
وكان السعوديون يفرون عادة من بلدهم الصحراوي إلى السياحة خارج بلادهم خلال الصيف، الذي قد تصل درجة الحرارة فيه إلى 50 درجة مئوية، لكن جائحة فيروس كورونا وتقييد السفر دفعاهم للتوافد إلى المطاعم والمقاهي في مركز «ذا زون» التجاري المقام في الهواء الطلق، مما دعم القطاع الاستهلاكي في البلاد.
وقالت نورا (21 سنة) التي تعمل في الضيافة في أحد المطاعم الراقية، أنها تحجز الطاولات قبل الموعد بأسابيع. وأضافت «كان هذا مستحيلاً في السابق. في أغسطس/آب من العام الماضي إذ لم يكن هناك أحد… الآن لدينا بعض الرواد المنتظمين الذين يأتون وينفقون المئات كل أسبوع».
نمو الاستهلاك الخاص
وسمحت السعودية في مايو/أيار للمواطنين بالسفر إلى الخارج دون إذن رسمي مسبق، بعد حظر استمر أكثر من عام، لكنها لا تزال تحتفظ «بقائمة حمراء» بالدول التي لا يمكنهم زيارتها، لذا فإن كثيرين يفضلون قضاء العطلات في بلدهم.
ونما الاستهلاك الخاص 1.3 في المئة في الربع الأول، مقارنة مع الفترة المقابلة في 2020، وهو ما يزيد كثيراً عن القراءات الفصلية قبل الجائحة، ومن المتوقع أن يظل قوياً بفضل انخفاض الإنفاق في الخارج.
وقفزت قيمة معاملات نقاط البيع في البلد الخليجي، وهي من المؤشرات على الإنفاق الاستهلاكي، 71.7 في المئة على أساس سنوي في مايو/أيار، الشهر المفضل لقضاء العطلات، إلى 40.27 مليار ريال (10.7 مليار دولار).
وصعدت من جديد 4.6 في المئة على أساس سنوي في يونيو/حزيران، مدفوعة بالأساس بقفزة 96.7 في المئة في الإنفاق في المطاعم والفنادق وزيادة 6.6 في المئة في الإنفاق على الطعام والمشروبات، حسب «الراجحي للخدمات المالية».
وقالت كبيرة الاقتصاديين في «بنك أبوظبي التجاري» مونيكا مالك «انتعش الاستهلاك الخاص بقوة كبيرة ويُتوقع أن يكون محركا رئيسيا للتعافي في 2021…ويعكس هذا إنفاقا محاصرا وأولى مراحل النمو في القطاع السياحي».
وتفيد بيانات «البنك الدولي» أن إنفاق الأسر ساهم بنحو 43 في المئة في الاقتصاد السعودي في 2020. وتُقدم القفزة انفراجة محل ترحيب مع تعافيه من ضربة العام الماضي المزدوجة الناجمة عن الجائحة وانهيار الطلب على النفط، أكبر صادرات البلاد.
تحقيق الانفتاح للبلد المحافظ
من جهة ثانية تكتظ المطاعم والمقاهي ودور العرض السينمائي بالرواد في العاصمة الرياض، وتُظهر أماكن جديدة باستمرار بمساعدة التخفيف التدريجي للقواعد الصارمة التي تحكم الحياة العامة.
وفي مطعم «بيرك» وهو الثاني من ستة مطاعم ينوي الطاهي افتتاحها في المملكة، يتحرك طاقم عمل سعودي من الشباب والشابات في أنحاء المكان الأنيق بطرازه الصناعي، فيما تنسق فتاة إيقاع مطعم «ألدي.جيه» في مشهد كان يصعب تخيله قبل عشر سنوات. وتحرك ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة، الأمير محمد بن سلمان، نحو تحقيق الانفتاح للبلد المحافظ، حيث كانت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» تطبق الفصل بين الجنسين يوماً بصرامة، في مسعى لتحسين جودة الحياة وجذب الشركات الأجنبية وأصحاب المواهب من الخارج.
وتطوير السياحة الداخلية طموح رئيسي للأمير الشاب، الذي رافقت إصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية حملة على معارضيه في بلد نظام حكمه الملكية المطلقة.
وقال أسامة حسين، الشريك السعودي في مطعم بيرك «قبل عشر سنوات، ما كنا لنفكر أبداً في افتتاح نشاط للطعام والمشروبات، في ظل الفصل بين الجنسين في المطاعم والقواعد الصارمة، لم يكن نشاطا جذابا ولم يتمتع الناس بالتجربة كثيراً». وأضاف حسين الذي يملك مطاعم وفنادق في أنحاء المملكة «الآن لحظة مثالية».
ولا يزال الكحول محظوراً في السعودية، لكن السلطات صارت تسمح بالترفيه العام، مثل إقامة الحفلات الغنائية وفعاليات الموسيقى الحية والرياضة وتشغيل دور العرض السينمائي.
وتناول عبد الله منصور (28 عاما) وزوجته ريم الطعام في مطعم «تشيبرياني» الإيطالي الراقي خلال زيارة للرياض قادمين من الدمام في المنطقة الشرقية حيث يعيشان.
وقال منصور «في السنوات الماضية، كنا نذهب إلى أوروبا مع آبائنا لعدة أسابيع. لكن لأننا لا نستطيع السفر خلال (جائحة) كوفيد، قررنا استغلال وقتنا الاستغلال الأمثل وقضاء عطلات نهاية الأسـبوع في شـتى أنحاء البـلد».
ويتردد الزوجان خلال زيارتهما للرياض على المطاعم الجديدة بالعاصمة مثل «نوبو» و»مامو» اليابانيين المُتفين.
وقالت ريم «إنها باهظة الثمن، لكن من الرائع وجودها أصلا في السعودية. اعتدنا الذهاب إلى لندن لنرتاد نوبو، الآن هو موجود هنا».