دولة صالحة للعيش فيها
مكرم أحمد الطراونة
لا تمثل قمة بغداد حالة سياسية أو اقتصادية صرفة بالنسبة للقيادة العراقية أو للشعب هناك، فهي، بحسب مسؤولين عراقيين، بمثابة عودة الدولة لمحيطها بعد معاناة سنوات طويلة من التنظيمات الإرهابية والاضطرابات الأمنية والسياسية، والتي أثرت حتى على دول الجوار.
في لقاء جمع وفدا إعلاميا أردنيا مشاركا في القمة برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بدا حديث الرجل واضحا، وكذلك طروحاته المستقبلية للعراق على المستويين الداخلي وما يتعلق بالتنمية والتقارب السياسي، لافتا إلى إدراك أهمية التشاركية والانفتاح على المحيط من خلال مشاريع اقتصادية تربط الأطراف بعضها ببعض بمصالح متينة تسهم في تخطي الوضع الاقتصادي القاتم، وتحقيق رفاه الشعوب.
أبرز هذه المشاريع أردنيا ما يتعلق بخط النفط بين البصرة والعقبة بطاقة مليون برميل يوميا، والذي أشار إلى أنه تم تفويض وزير النفط العراقي السير به، إلى جانب توقيع اتفاقية الربط الكهربائي، والتي يزود الأردن من خلالها الجانب العراقي بالكهرباء، بعد استكمال شبكة الربط بين البلدين، تتبعها مرحلة ثانية تتيح للجانبين رفع قدرة تبادل الطاقة الكهربائية.
الكاظمي، كذلك، شدد على أهمية زيادة التبادل التجاري بين البلدين، فآخر الأرقام أظهرت انخفاض قيمة الصادرات الوطنية خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي بنسبة 4.5 %، لتصل إلى 141.9 مليون دينار، مقابل 148.7 مليون دينار مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
رغم ذلك، ما تزال طموحات البلدين كبيرة في تحقيق قفزة كبيرة في التبادل التجاري مع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها الطرفان، خصوصا ما يتصل منها باستثناء منتجات البلدين من أي نظام تسجيل للواردات، وتسريع استكمال الخطوات التنفيذية لإنشاء المدينة الاقتصادية المشتركة، واستكمال تنفيذ ربط محطة تحويل الريشة مع محطة تحويل القائم، وغيرها.
الأردن يستطيع تحقيق استفادة كبيرة من علاقته التاريخية مع العراق، خصوصا مع التطور الكبير الذي طرأ على العلاقات الثنائية في الفترة الأخيرة، والتي لم تكن بهذا الشكل الإيجابي منذ سنوات طويلة، حيث تدرك بغداد أهمية الأردن باعتباره نقطة ربط مع مصر وأفريقيا وأوروبا.
الفكر الذي يطرحه الكاظمي يؤشر إلى أننا أمام عراق جديد يريد أن ينفض عن كاهله آثار عقود طويلة من الحروب وعدم الاستقرار، وربما هذا بالذات ما أراد أن تظهره القمة التي استضافتها بغداد بمشاركة عربية ودولية واسعة، لكن تطبيق هذا الفكر يحتاج إلى داعمين ومؤمنين بذلك، خصوصا في إقليمنا الذي يشهد نزاعات وتجاذبات كبيرة، وصراعا على مركز التأثير من الدول الكبيرة فيه.
آفاق التعاون مع العراق لا يمكن حصرها، إذ بإمكان الأردن الاشتباك مع العراق في قطاعات اقتصادية كبيرة، كالطاقة والبنية التحتية والغاز والنفط والاستثمار. هذه الملفات تستهدفها دول عديدة، والتأخر في الاستفادة من التحول العراقي يعني أن عمان تخسر ساحة واسعة من شأنها العودة بالنفع على النمو الاقتصادي الأردني، ويكفي أن ننظر إلى أرقام التبادل التجاري بين العراق وإيران والذي يبلغ 30 مليار دولار سنويا، لنعرف أننا نتأخر كثيرا في طرق بوابة البلد الشقيق.
ما يحتاجه العراق هو ضمان استمرارية الإرادة في بناء الدولة العراقية الجديدة المتصالحة مع جميع المكونات المجتمعية، خصوصا أن البلد مقبل خلال شهر ونصف الشهر على انتخابات يتوقع أن تشهد سخونة عالية جدا.
العراق اليوم دولة صالحة للعيش، وهي تطرق أبواب دول الإقليم من حولها لبناء شراكات حقيقية أساسها تحقيق المصالح المشتركة، ومن يلتقط هذه الإشارات الواضحة سوف يحقق فائدة كبيرة لبلده وشعبه.