الأسيرة “أنهار الديك” تنتظرها “ولادة قيصرية”

أعلنت عائلة الأسيرة الفلسطينية أنهار الديك، فشل محاولاتها لأن يكون أحد أفراد العائلة إلى جانب ابنتهم أثناء الولادة القيصرية، بسبب رفض إدارة السجن الإسرائيلي الذي تقبع فيه الأسيرة منذ 6 شهور.

 وقالت والدة أنهار، بأنها تعيش الوجع والألم الشديد مجرد أن تتذكر بأن ابنتها سوف تلد بعيداً عنها دون أن يكون أي منا بجانبها. وقالت: "كان الصليب الأحمر الفلسطيني قد رفع طلبا لإدارة السجن ليكون أحد أفراد الأسرة (الأم أو الزوج) إلى جانبها لكن الطلب قوبل بالرفض”.

وكانت الأسيرة الديك التي تسكن في بلدة كفر نعمة غربي رام الله، قد اعتقلت في شهر مارس/ آذار الماضي، وهي حامل في شهرها الرابع.

ناشدت والدة الأسيرة العالم من أجل التدخل لإطلاق سراح ابنتها التي بلغ حملها الشهر التاسع ومن المنتظر أن تضع مولودها "علاء” داخل السجن بعد إجراء عملية قيصرية.

وقالت الأم في حديث خاص لـ”القدس العربي”: "تخيلوا أنهار بنتكم.. كيف سيكون موقفكم؟ أنا موجوعة على ابنتي، وعلى العالم أن يعمل لإطلاق سراحها”.

بلا مواصفات صحية
وبحسب حنان الخطيب، محامية الأسيرة الديك، فإن طبيب السجن الإسرائيلي الذي تقبع فيه أنهار، سيحدد لها خلال أيام موعد إجراء العملية القيصرية لولادتها (قبل 10 سبتمبر) وهو ما سيكون في مكان لا تتوفر فيه أي من المواصفات الصحية.

وكان نشطاء فلسطينيون وعرب ومؤسسات فلسطينية حقوقية ورسمية، قد أطلقوا حملة ضغط ومناصرة من أجل إطلاق سراح الأسيرة الديك، تحت هاشتاغ: "أنقذوا انهار الديك”.

وكانت رسالة سُربت من سجن الدامون الإسرائيلي كتبتها الأسيرة بخط يدها، قد أججت الحزن ومشاعر الغضب لمحتواها الذي كشف عن حجم المعاناة والألم الذي تعيشه أنهار.

وجاء في الرسالة: "آخ.. يا رب طمعان في رحمتك.. شو أعمل إذا ولدت بعيد عنكم وتكلبشت وأنا أولد وإنتوا عارفين شو الولادة القيصرية بره! كيف بالسجن وأنا مكلبش لحالي”.

وعبّرت الديك في رسالتها عن وجعها وخوفها من الولادة بالسجن حيث كتبت: "أنا كثير تعبانة وصابني آلام حادة في الحوض ووجع قوي في اجري نتيجة النوم على "البرش” مش عارفة كيف بدي أنام عليه بعد العملية، وكيف بدي أخطو خطواتي الأولى بعد العملية وكيف السجانة تمسك إيدي باشمئزاز”.

وبخط رشيق وجميل كتبت الأسيرة الديك رسالتها للعالم بطريقة تقطر وجعا حيث قالت: "لسا بدهم يحطوني في العزل أنا وإبني ويا ويل قلبي عليه عشان الكورونا … مش عارف كيف راح أقدر أدير بالي عليه وأحميه من أصواتهم المخيفة وقد ما كانت أمه قويه راح تضعف قدام اللي بعملوه فيها”.

وتمسك والدة أنهار بهاتفها الخاص وترد من خلاله على الاتصالات التي تأتيها من وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية والمؤسسات الحقوقية التي تطالبهم بكلمات محددة: "لم أسمع صوتها منذ 5 شهور، وهي في أسوأ وضع يعيشه إنسان مريض وسيخضع لعملية ولادة قيصرية”.

وتمتلك العائلة ومحامية الأسيرة ما يثبت أن أنهار تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، حيث كانت تتلقى العلاج عند طبيب فلسطيني وهو ما لم يعتدّ به من قضاة المحاكم الإسرائيلية.

وتقول الأم بما يشبه التسليم: "هل سيؤثر الإعلام، هل يمكن أن تخرج لتلد وأنا أقف خلف رأسها، هذا ما نريده، وهذا ليس كثير بالمناسبة، هذا أقل أمر يمكن أن يطالب به”.

وتشدد الأم على ما كتبته ابنتها في الرسالة: "خطية هالولد في رقبة كل واحد مسؤول وقادر يساعد وما بساعد”.

وكانت الأسيرة الديك بثت في رسالتها المسربة شوقها لابنتها التي فارقتها بعمر الشهر والنصف حيث كتبت: "اشتقت لجوليا بشكل مش طبيعي، قلبي واجعني عليها ونفسي أحضنها وأضمها لقلبي، الوجع الي في قلبي لا يمكن أن يكتب في سطور”.

إدارة السجن تتخبط
 المحامية حنان الخطيب، قالت في حديث خاص لـ”القدس العربي” إن الأسيرة الديك "تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، حيث اعتُقلت من قبل قوات الاحتلال وكان عمر ابنتها جوليا 4 شهور، وكانت تمر بفترة حمل جديد، حيث كانت تفكر بأفكار سوداوية ما دفعها لحمل سكينة والذهاب لمستوطنة من دون أن تكون بوعي كامل”.

وبحسب الخطيب، فإن أنهار تستشعر صعوبة الولادة في ظل غياب الزوج أو الأم وأن يولد ابنها في السجن، وهي أمور تحاول المؤسسات الحقوقية العمل عليها بحيث تحاول أولا أن تطلق سراحها بدون شروط، أو أن يتم إدخال أمها إلى السجن كي تلد بحضورها، أو أن يدخل زوجها في حال تم رفض والدتها.

وتشير الخطيب إلى أن ظروف السجن ليست آدمية بشكل عام، فكيف سيكون مؤهلا لعملية ولادة قيصرية، حيث تعتبر هذه أول حالة ولادة قيصرية في السجن الذي تقبع به أنهار.

وتلفت أن إدارة السجن تتخبط ولا تعرف كيف تقوم بتهيئة السجن بما يناسب حالة الأسيرة الديك التي تصنف على أنها معتقلة وليس أسيرة إلى حين نهاية الإجراءات القانونية بحقها.

ساعات من البكاء
وتقول المحامية، إن أنهار تقضي الساعات الطوال في البكاء الشديد والصراخ "من شان الله طلعوني”.

وتضيف أن الديك قررت أنه، في أسوأ الأحوال، وفي حال ولدت بالسجن، فإنها تريد أن يتربى ابنها معها.

ويمنح القانون الإسرائيلي أمهات المواليد الجدد خيارين، إما إخراج المولود من السجن، أو إبقاؤه داخل السجن لمدة عامين فقط.

وطوال الفترة الماضية (5 شهور) لم تتمكن عائلتها من الحديث معها باستثناء مكالمة هاتفية قصيرة مع زوجها في شهر رمضان الماضي، وهو ما يجعلها تعيش في ظروف نفسية صعبة.

وتسأل الخطيب: "أين مؤسسات حقوق الإنسان من هذا الملف، أين مؤسسات مناصرة المرأة أين المؤسسات النسوية في فلسطين والعالم”.

وتؤكد المحامية الخطيب أن المعتقلات الجنائيات الإسرائيليات يخرجن من السجن ويخضعن لحبس منزلي عند الولادة حتى لو ارتكبن جرائم قتل، أما الأسيرة الفلسطينية فتحرم من كل هذه الحقوق.

وكان طبيب السجن الإسرائيلي قد أصدر تقريرا سابقا أكد أن الأسيرة الديك في كامل وعيها وأنها سليمة نفسيا، لكن المحامية الخطيب ترى أنه يمكن الطعن بهذا التقرير، "فكلّنا يعلم أن طبيب السجن ينفذ أجندة دولة الاحتلال، ولا سيما أن الأسيرة تمتلك أوراقا تثبت أنها تعالجت لدى طبيب نفسي فلسطيني قبل دخولها السجن بعد ولادتها السابقة وتمتلك الأدوية الخاصة بذلك”.

وتختم الخطيب: "فكرة أن تلد امرأة معتقلة بعملية قيصرية بدون أي شخص إلى جانبها وهي مقيدة بالحديد وتعاني من مرض نفسي، هي فكرة مؤلمة للغاية، على العالم أن يقول كلمته، هذه حالة نادرة، كيف سيتم التعامل مع الأسيرة وكيف سيتم تقييدها بحسب تعليمات إدارة السجون الإسرائيلية”.

وتعتقل سلطات الاحتلال الإسرائيلي (11) أمّاً فلسطينية في سجونها من أصل (40) أسيرة يقبعن في سجن "الدامون”، حيث يعانين ظروف صعبة، بالإضافة إلى سياسة الإهمال الطبي التي تمارس بحقهن.

غير أن ما يواسي "الأسيرة الديك” في حال ولدت في السجن، هو نجاحها في إسعاد بعض الأسيرات اللواتي حُرمن من رؤية الأطفال ما يزيد عن 7 سنوات.
القدس العربي