شُحّ المحروقات وارتفاع الرسوم يهددان بتعطيل العام الدراسي
بيروت – الأناضول: بعد أقل من شهر تفتح المدارس في لبنان أبوابها أمام الطلاب، بعد إغلاق استمر نحو سنتين عقب انتشار وباء كورونا، وعُوّض عنه بالتعليم عن بعد.
ووفق خطة وزارة التربية والتعليم العالي للعام الحالي، سيتم اعتماد 4 أيام تعليم حضوري في المدارس والثانويات الرسمية كحد أدنى، فيما يكون أمس الخامس للتعليم عن بُعد، وذلك بسبب أزمة المحروقات التي تؤثر على انقطاع الكهرباء وحركة النقل.
إلا أن هذه الخطة تعتريها بعض الثغرات، حسب مُطَّلِعين، خصوصا أن أزمة المحروقات ستعيق وصول الطلاب إلى المدارس، كما أن انقطاع التيار الكهربائي عن المدارس سينعكس على قدرة عملها بظروف طبيعية.
مخاوف كثيرة غير هذه تعبر عنها جانيت حيال العام الدراسي الجديد لنجلها روي الّبالغ من العمر 14 عامًا، أبرزها عدم قدرتها على سداد أقساط مصاريف العام الدراسي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في بلادها.
وتضيف جانيت، التي فضلت عدم كشف اسم عائلتها «الأقساط المدرسية ليس المشكلة الوحيدة، إذ ارتفعت أيضاً كلفة النقل من المنزل إلى المدرسة بشكل كبير، بفعل ارتفاع سعر المحروقات وفقدان مادة البنزين من الأسواق».
فعلى وقع أزمة اقتصادية حادة مستمرة منذ حوالي عامين، تدهورت الأوضاع المعيشية في لبنان مؤخراً بشكل أكبر بعد خفض «مصرف لبنان» المركزي والحكومة دعم أسعار استيراد المحروقات والأدوية، وتراجع احتياطي العملات الأجنبية إلى مستويات متدنية.
ويبلغ عدد المدارس الحكومية في لبنان 1235 مدرسة، تضمّ أكثر من 342 ألف طالب وطالبة، فيما يبلغ عدد المدارس الخاصّة 1209 مدارس، تضمّ نحو 558 ألف طالب وطالبة، وفق «الدوليّة للمعلومات» وهي شركة بحثية مقرها بيروت.
إغلاق مدارس وتسريح معلمين
ويقول محمد شمس الدين، الباحث في «الدوليّة للمعلومات» أن 130 مدرسة خاصّة أغلقت أبوابها، وجرى تسريح 6 آلاف معلم العام الماضي، على وقع الأزمة المتفاقمة التي يشهدها لبنان.
وقبل انخفاض قيمة الليرة اللبنانيّة أمام الدولار، بلغ متوسّط أجر المعلم شهريا في مدارس المرحلة الثانوية 3 ملايين ليرة (حوالي ألفي دولار) فيما بلغت حاليا بفعل الانهيار الاقتصادي 200 دولار أو ما دون، حسب مطلعين.
وعن الطلاب اللبنانيين الذي يرغبون في الدراسة خارج بلدهم، يقول شمس الدين «في الماضي، كان يغادر لبنان بين 10 آلاف و12 ألف طالب سنويا لاستكمال دراستهم الجامعيّة في الخارج، لكن هذا العدد انخفض إلى ألفي طالب فقط، تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي تجتاح البلاد».
ولا تخفي رئيسة «اتحاد لجان أولياء الأمور» في المدارس الخاصة، لَما الطويل، قلقها حيال العام الدراسي الجديد، بقولها: «خسارة أولادنا لعام دراسي ثالث ستؤثّر سلباً على مستقبل جيل بأكمله في لبنان».
وتضيف «غالبيّة المدارس الخاصة بدأت تبلغ العائلات بزيادات الأقساط المدرسيّة للعام الدراسي المقبل، والتي تتراوح نسبتها بين 25 و35 في المئة، مّا قد يؤدّي إلى ارتفاع نسبة التسرّب المدرسي بسبب عدم قدرة الأهالي على سدادها».
وفي أبريل/ نيسان الماضي، حذرت منظّمة «سيف ذا تشِلدرِن (أنقذوا الأطفال)» الخيرية العالمية من كارثة تربويّة في لبنان. وقالت أن الأطفال اللبنانيين من الفئات الأكثر هشاشة من الناحية الاقتصادية يواجهون خطراً حقيقياً بالانقطاع نهائياً عن التعليم، على وقع انهيار اقتصادي في البلاد».
رسوم الباصات المدرسية
ترى الطويل أن «70 في المئة من الأهل لن يتمكّنوا من تأمين الأقساط المدرسيّة للمدارس الخاصّة، أو شراء الكتب والمستلزمات الدراسية، فضلاً عن فقدان الحاجات اللوجستيّة كافّة في المنازل حيث لا كهرباء ولا إنترنت».
وتدقّ الطويل ناقوس الخطر حيال تدهور مستوى التعليم، قائلة «إنّنا قادمون على كارثة تطيح بجيل كامل، إذا استمرّ المسؤولون في إهمال القطاع التربوي».
منذ 27 عاما، يعمل جميل إلياس سائقاً لباص مدرسي تابع لإحدى المدارس الخاصة في جبل لبنان، إلّا أنّ عمله توقّف مع إغلاق المدارس بسبب تفشي فيروس كورونا. ويقول «عملي توقّف منذ فبراير/شباط 2020، إثر الإقفال العام بسبب ارتفاع معدلات إصابات كورونا في لبنان».
ويضيف «في ظلّ التعليم الحضوري هذا العام، لن أستطيع أيضاً العمل، بسبب زيادة تكلفة النقل بفعل ارتفاع أسعار المحروقات وما يترتب عليها من عجز الأهالي عن دفع مصاريف انتقال أبنائهم».
ووافقت الحكومة اللبنانية على خفض دعم استيراد الوقود إلى سعر صرف 8000 ليرة للدولار بدلا من 3900 ليرة.
وعقب هذا الاعلان، قفزت أسعار الوقود المباع في لبنان بأكثر من 66 في المئة، ما يرفع تعرفة النقل وأسعار السلع الأساسية التي يدخل الوقود في إنتاجها.
ويوضح إلياس أن «تكلفة انتقال الطالب الّذي يسكن في النطاق الجغرافي للمدرسة، كان منذ عامين حوالي 60 ألف ليرة لبنانية في الشهر (40 دولاراً). أما بعد رفع الدعم عن المحروقات، ارتفعت التكلفة إلى 400 ألف ليرة (نحو 265 دولاراً)». ويرى أن «الأهل لن يستطيعوا دفع هذا المبلغ شهرياً، ما يهدد العاملين في هذا القطاع بالتوقف الكامل أو خفض أجورهم».
ويدعو إلياس سلطات بلاده إلى «دعم أصحاب الحافلات المدرسية من خلال تأمين بطاقات خاصّة لشراء المحروقات بسعر أقلّ، أو دعم قطع الغيار التي تحتاجها السيارات في حال تعطّلها».