سقوط قانون العقبة لمصلحة من ..؟
سلامة الدرعاوي
أيام قليلة تفصلنا على انتهاء أعمال الدورة الاستثنائيّة التي كان على أجندتها تعديلات مهمة تتعلق بقانون منطقة العقبة الاقتصاديّة الخاصة، والتي ينظر لها على اعتبار أنها احد ابرز إجراءات الإصلاح الاقتصاديّ المنشودة خلال المرحلة المقبلة والتي تقتضي صفة الاستعجال، لكن واضح ان القانون لن يناقش تحت القبة في هذه الدورة وسيرحّل إلى إشعارٍ آخر غير معلوم.
التعديلات المقترحة على قانون منطقة العقبة الاقتصاديّة الخاصة يهدف أولاً وأخيراً إلى توحيد الإدارة الجمركية والضريبيّة بشكل موحد تابعة للمركز في عمان دون المساس بالنسب الضريبية المعمول بها وهي (5 %_7 %) لضريبتي الدخل والمبيعات على التوالي، مع إعفاء كامل من الرسوم الجمركية الداخل المنطقة الخاصة.
التعديلات المقترحة على القانون، ترفع نسبة حصة مفوضية العقبة من إيراداتها الكلية التي توردها للخزينة من 25 % المعمول به حاليا الى 40 %، مما يوفر إيرادات جديدة للمفوضية يساعدها على تنفيذ مشاريعها الرأسمالية وغيرها من الخطط التي تتطلب تمويلا إضافيّا.
لكن القانون اسقط في لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية ولم يحظ باجتماعات أو اهتمامات النوّاب ولا الحكومة دافعت بقوة عن مشروع القانون.
طبعا توحيد الإدارة الجمركية والضريبيّة يعني التضييق على المهربين كل منافذ التهريب القانونيّ والمؤسسيّ التي يتبعونها منذ سنوات طويلة حين أنشئت العقبة الخاصة، فالكل يعلم ان العقبة الاقتصاديّة الخاصة باتت أكبر منفذ لتهريب السلع للسوق المحليّة، وان عمليات التهريب المنظم التي تتم عن طريق المعابر ومنها العقبة تحديدا باتت تشكل خطراً كبيراً على الأمن الاقتصاديّ نتيجة تنامي عمليات التهريب بشكل لا يصدق والذي باتت معدلاته تقترب من حاجز ال400 مليون دينار سنويا، تحتل العقبة الاقتصاديّة الحصة الأكبر في عمليات التهريب مع كل أسف.
طبيعي ان يقاوم قانون العقبة الاقتصاديّ من "مافيات” التهريب التي باتت تعشعش في مراكز مختلفة من مؤسسات الدولة، وباتت تشكل قوى ذات نفوذ عال، وتمتلك وسائل كبيرة في الضغط على مختلف الجهات لتسهيل مهامها سواء أكانت في القطاع العام ام الخاص.
تعديلات العقبة الاقتصاديّة لو تمت لحققت إنجازاً اقتصاديّاً مهما في ضبط عمليات التهريب ومكافحته والحد منه وتحقيق الأمن الاقتصاديّ من خلال حماية القطاعات الصناعيّة الملتزمة وزيادة تنافسية الاقتصاد، وفوق كل ذلك زيادة تحصيلات خزينة الدولة من المرسوم والضرائب المتولدة من الأنشطة الاقتصاديّة المشروعة.
للأسف نجحت قوى التهريب في تعطيل مناقشة قانون العقبة الخاصة ودفنه في أدراج لجنة الاقتصاد والاستثمار في مجلس النوّاب تحت حجج واهية، فالتعديلات تضع تبويبا مؤسسيا لعمليات التدقيق الجمركي والضريبي على المكلفين من خلال اعتماد مرجعيات واحدة في التدقيق بدلا من التشتت كالذي حصل اليوم، فكل مكلف لديه أكثر من ملف ضريبي وجمركي ويستطيع تزويد المدققين بالبيانات التي يراها هو مناسبة ومختلفة عن كل ملف باسمه، وهو ما يفتح باب التهريب على مصراعيه.
العقبة الاقتصاديّة التي كانت من المفترض ان تكون مركزا سياحيّاً وخدميّاً واقتصاديّاً على مستوى المنطقة، باتت مع كل اسف بقعة ضعف في خاصرة الاقتصاد الوطني نتيجة ثقلها الكبير في عمليات التهريب التي باتت تهدد العديد من القطاعات وتفقد الخزينة الكثير من الموارد، لذلك فان دفن قانون العقبة الاقتصادية الخاصة في مجلس النوّاب وعدم الأخذ بتعديلات يعتبر نكسة في جهود الإصلاح الماليّ للدولة.