النقد المستمر.. هل يضع العلاقة الزوجية في مهب الريح؟

ربى الرياحي

عمان- في لحظات كثيرة، يصبح النقد المستمر واللاذع سببا في مشكلات وخلافات قد لا تنتهي بين الزوجين، إذ تفقد الحياة بينهما التوازن والاستقرار والمودة.
هو أشبه بصراع، حينما "يتفنن” كل طرف بإظهار عيوب الآخر أمام المحيطين، وتوجيه سهام النقد على كل صغيرة وكبيرة، لتبدأ هنا الصراعات لإثبات وجهة نظر كل واحد منهما.
العلاقة الزوجية يطرأ عليها الكثير من المشاكل والتغيرات؛ ومهما كان الرابط بين الزوجين متينا يقاوم أشد العواصف، إلا أن أن هنالك أمرا كفيلا يجعله في مهب الريح، وهو الانتقاد المستمر، حتى لو كان بدافع المزاح لكنه قد يتسبب بالإهانة والتجريح، حين ذكر عيوب الآخر.
التغاضي عن بعض العيوب والأخطاء هو السر في تغيير حياة الزوجين ووصولهما إلى السعادة؛ هذا من وجهة نظر الأربعيني سعد حاتم الذي كان سببا في إنقاذ زواج صديقه المقرب. يقول إن مشاعر من الاستفزاز واللوم والإدانة تلك التي كانت تسيطر عليه كلما تحدث مع صديقه.
نقطة الخلاف الجوهرية، بحسب رأي سعد، هي كثرة انتقاد صديقه لزوجته وخاصة أمام الأهل والأصدقاء، الأمر الذي بات يجرحها ويزعجها منه مؤخرا. هو حاول أن يتدخل محاولا إعادته لصوابه، فكانت نصيحته لصديقه أن يتوقف عن توجيه الانتقادات اللاذعة والتجاوز عن الأخطاء، وأن يرى كل طرف الآخر بعين المحب فقط.
وفعلا، فقد كانت التجربة خير برهان، فبعد أن كان "النكد” هو المسيطر بلا منازع على أيامهما والانتقادات الجارحة تطلق بعشوائية كالرصاص هنا وهناك، تغير كل شيء وذلك عندما قررا أن يتغاضيا عن عيوب بعضهما بعضا بالتقبل، الأمر الذي ساعد على تقريب المسافة بينهما كزوجين والتخلي عن عنادهما والنظر إلى الأخطاء على أنها قابلة للتغيير والتصويب.
أما الثلاثينية نهلة إبراهيم فهي أيضا تخطئ في حق زوجها باستمرار وتجهل كيفية التعامل معه، لا تبالي أبدا بمشاعره بل على العكس تتفنن في نقده ودائما ما تنظر إليه على أنه مدان وكل تصرفاته خاطئة لدرجة أن الحياة بينهما باتت شبه مستحيلة قائمة على الخلافات والصراخ والمشادات الكلامية المؤذية.
لم يعد هناك ما يجمع العلاقة بينهما، وأصبحت تفتقد للاحترام والتفاهم، لا وجود للتنازلات فيها، كل طرف منهما يحاول أن يسيء للآخر أكثر من دون التفكير بالعواقب. وهذا كله تسبب في حدوث بعض الشروخ وتحول الزوج إلى شخص عنيف وعصبي يرفض النقاش تماما ويصر على الاستفزاز بشتى الطرق لا يهتم إطلاقا بإصلاح الأمور وتهدئتها والوصول مع زوجته إلى نقطة التقاء.
نهلة، ولأنها بدأت تخاف على زواجها من الانهيار، لجأت إلى إحدى قريباتها لكونها كبيرة في السن وذات خبرة، هي رأت أن تشرح لها مشكلتها علها تجد لديها الحل الذي ينقذها من ضياعها وحيرتها. وهذا تماما ما حدث، فقد تمكنت هذه القريبة من إطفاء نيران الغضب بين كلا الزوجين ونجحت في تهدئة النفوس وإعادتهما إلى صوابهما، مؤكدة أن الكلام الجميل والمحفز كفيل بأن ينهي أكبر خلاف.
الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يبين أن الحياة الزوجية تُبنى على الانسجام والتفاهم، الأمر الذي يساعد حتما على إيجاد منظومة متكاملة قائمة على المودة والاحترام، وإنشاء جيل قوي وسعيد. هذا كله يتطلب الهدوء والطمأنينة والسلامة الاجتماعية والأمن النفسي حتى يستطيع الزوجان إكمال حياتهما بشكل صحي وسليم وفيه شيء من التوازن والاستقرار.
ويشير إلى أن غياب الانسجام الفكري والعاطفي والاجتماعي بين الزوجين يضع العلاقة على حافة الانهيار، ويدخلها في دوامة الصراعات، وخاصة إذا غابت لغة الحوار وحل مكانها النقد والتجريح والصراخ والعناد.
ووفق رأي مطارنة، فإن النقد المستمر يخلق النفور والتصدعات داخل كيان الأسرة، والذي يتسبب حتما بإشكالية كبيرة تنعكس سلبا على جميع الأطراف، منوها إلى ضرورة أن يعي كلا الزوجين نقطة مهمة، وهي أنه لا يوجد شخصان صورة طبق الأصل عن بعضهما بعضا، لكل منهما طبيعته وأفكاره وقناعاته التي تشكل شخصيته.
وينبغي أن يتعلم الزوجان أسس احتواء بعضهما بعضا وإبداء الاستعداد لتقديم التنازلات في سبيل حماية العلاقة ونجاحها.
ويذهب المستشار النفسي الأسري أحمد سريوي الى أن النقد بين الأزواج، خاصة النقد الهدام، هو أساس الصراعات الزوجية التي تنعكس بطبيعة الحال على بقية أفراد الأسرة.
ويبين أن الشخصيات التي تُكثِر النقد تعد قلقة تسعى للكمال في كل أعمالها وتشعر بعدم الراحة حينما ترى الأمور لا تسير في الكمالية التي تصبو إليها. وفي الوقت نفسه، فان هذه الشخصية حساسة ولا تتحمل النقد من قبل الآخرين.
كيف نفهم هذه التناقضات التي تدخلنا في دوامة من الصراع والمشكلات؟
من ميكانيزمات الدفاع في النظرية التحليلية لسيجموند فرويد "التبرير”: وهو ان يقدم الفرد تفسيرات (تبريرات) مقبولة اجتماعية ونفسياً لتصرفات او مشاعر قد قام بها غير مقبولة او مزعجة للآخرين، والتبرير هو ما نقوم به حينما ينتقدنا الاخرون حتى لا نظهر بطريقة غير لأيقة.
لذلك على الشخص الذي يوجه سهام نقده أن يعي بأنه يوؤذي الشريك الأخر ومشاعره، فالحياة يجب أن تسير بطريقة سلسة أكثر حتى لا يتأذى الآخر، وينعكس ذلك سلباً على طبيعة العلاقة الزوجية. كذلك أن يُدرك الناقد أن كان يعاني الشخصية القلقة بأن تصرفاته أصبحت توؤثر في حياته الزوجية، ما يستوجب تعديل سلوكه ليصبح إنسانا أكثر مرونة.
الغد