رؤساء بلديات لفيصل الفايز : تعديلات القانون تعيدنا لمربع الصفر الاصلاحي ونأمل من مجلس الملك رده وعدم الموافقة عليه جملة وتفصيلا ..

        بسم الله الرحمن الرحيم  

دولة السيد فيصل الفايز الأكرم، رئيس مجلس الأعيان الموقر، حفظه الله

الموضوع: مشروع قانون الإدارة المحلية لسنة 2021

بعد التحية:

نظرًا لما اعتور مشروع القانون من تشوهات فإننا نتوجه إليكم آملين من مجلسكم الكريم رد هذا القانون بجملته.

إن مجلسكم الكريم هو مجلس الملك المفدى وقد تعودنا من جلالته أن ينحاز إلى نبض شعبه في اللحظة الحاسمة بكل ما نعرفه جميعا عن جلالته من عزم و حزم.

لقد هدفت مسيرة الإصلاح الشامل إلى جعل الأردن نموذجا يحتذى للدول الأخرى، وقد سرنا على هدي رؤى جلالة الملك مؤمنين أن أردننا يمضي إلى الأمام بقوة التطوير لا بتهور التثوير وأن "ما لا يُدرك كله لا يُترك جلّه" ما يحتم علينا دائماً أن ننجز ما نتفق عليه ونواصل الحوار فيما نختلف عليه. هكذا تبلورت لدينا مفاهيم وجداول أعمال حول تجربة الأقاليم والحكم المحلي واللامركزية والإدارة المحلية. أي أننا في غنى عن أن نبدأ من الصفر عند كل مفصل من مفاصل الإصلاح المنشود بل علينا توفيرًا للجهود والموارد والوقت أن نفيد من كل تجربة عشناها ومن كلمة كتبناها مدركين أن ما يثبت بالعيان لا يحتاج إلى برهان.

لو كنا نريد التحجر عند مفاهيم الإدارة المحلية  لما كان هناك ثمة داعٍ لأي تغيير على القوانين والأنظمة التي كانت سائدة حتى مطلع القرن الحالي. لكن طموحنا كان ولا يزال أن يكون كل مواطن شريكًا فاعلًا في اتخاذ القرارات التي تمس حياته اليومية  وتؤثر على مستوى الخدمات المقدمة إليه.

لكن مشروع القانون الحالي أعرض عن هذا الهدف بالجملة عندما تم تغيير اسم القانون من "قانون البلديات واللامركزية" إلى قانون "الإدارة المحلية" فقط.

إن المجالس البلدية كما هو مستقر قانونًا وواقعًا في كل الدول المتقدمة هي منظمات أهلية تشكل بناء على الإختيار الحر لمجموع مواطني منطقة ما فهي ليست جزءًا من القطاع الخاص بالطبع ولا هي جزء من القطاع الحكومي بل هي جزء أصيل من المجتمع المدني العام، وبالتالي فإن شطب وجودها من اسم القانون الناظم لعملها لا يبشر بخير.

إن تتبع مواد مشروع القانون يبين بجلاء أنه تم تطويع نصوصه كي يتم تفريغ المجالس البلدية من ثقلها التمثيلي وتحويلها إلى كادر وظيفي يتبع وزارة الإدارة المحلية بشكل مركزي.

وكان لا بد لتحقيق ذلك من إحداث عوار دستوري يشوب القانون وبخاصة بعد التضحية بالمادة السادسة من الدستور التي تنص على المساواة بين الأردنيين أمام القانون التي لم تضع قيدًا و لا شرطًا على حق الترشح للمواقع العامة. يظهر هذا العوار في منطوق المادة 40 الفقرة ب من مشروع القانون التي تشترط تعسفًا على من يترشح لرئاسة بلديات الفئة الأولى أن يكون حاصلًا على الدرجة الجامعية الأولى على الأقل. إن المادة 22 من الدستور هي التي تقر بتحديد مؤهلات، ولكن ليس لأفراد منتخبين بل لمن "يتم تعيينهم للوظائف العامة". أفيعقل أن لا يشترط الدستور مؤهلًا تعليميًا للمرشح لمجلس النواب ولكنه يضع مؤهلًا للمجالس البلدية؟ أيهما أولى بالنص عليه في قانون؟ وماذا لو تغير تصنيف بلدية ما من الفئة الثانية إلى الأولى فهل سنغير رئيس بلديتها إن لم يكن جامعيًا؟ 

لقد تجاهل مشروع القانون حقيقة وواقع أن منصب رئيس البلدية ليس وظيفة مهنية ولا فنية بل هو موقع عمل عام بحاجة إلى تاريخ شخصي في خدمة المجتمع المحلي بحيث ينال المرشح ثقة أهل منطقته بناء على ما قدمه لهم لا بناء على ما قدمه لنفسه من فرص الحياة و العلم. 

من الأمور البارزة الأخرى أن صيغة اليمين/ القسم لمن يتولون مواقع بلدية أكثر تشديدًا وأوسع لفظًا من صيغة قسم الوزراء و النواب أيضًا.


إن ثقة المواطنين هي العامل الأكثر حساسية وخطورة بالنسبة لنا في الأردن في ظل تراجع مؤشرات الثقة بين السائل والمسؤول، حقيقة نلمسها، وإن كنا لا نستطيع التعبير عنها بوضوح دائمًا. وكنا نتوقع أن تكون البلديات فضاء تنافس حر بين أهل الهمم التواقين لخدمة مجتمعاتهم المحلية، حتى تصبح البلديات مصنعًا لإنتاج كفاءات العمل العام، وليس مجرد وسيلة للترقي الأكاديمي، فلكلٍ ساحته ومجال عمله.

إن شطب البلديات من عنوان القانون يجعلنا كرؤساء بلديات سابقين عجم الميدان عيدان صلابتنا غير مستعدين لمناقشة تفاصيل بنوده الأخرى.

يكفينا أن نشير هنا إلى أن هناك تكرارًا حرفيًا فيما لا يقل عن عشرين مادة معظمها تتعلق بواجبات البلديات ورؤسائها، ما يدل دلالة واضحة أن هذه المواد لم تنل حظها من الدرس والتدقيق وكان هناك تسرع في إقرارها على وجه الجملة.

أما التعديلات التي أدخلها المجلس الكريم على مشروع القانون المقدم له من الحكومة، فقد تميزت بالتسرع، ما أدى إلى عدم ترابط النص القانوني، ويكفي أن نشير هنا إلى شطب الفقرة (د) من المادة (55) مع إغفال حقيقة كون الفقرة (هـ) اللاحقة لها مرتبطة بها، ولكن تم تركها على حالها، حيث تم شطب الفقرة (د) التي تنص على أن الضبط الذي ينظمه الشخص الذي يقوم بالتفتيش (على البلديات والمجالس) يعتبر صحيحًا ما لم يطعن به بالتزوير، ولكن تم الإبقاء على الفقرة (هـ) التي تجيز للوزير بناء على هذا الضبط أن يحول أيًا من المخالفين "إلى المدعي العام وكف يده عن العمل"!! وتليها الفقرة (و) التي تتيح للوزير بناء على هذه المخالفة التي يفترض أن كشف الموظف هو الذي يقرر وجودها من عدمه أصلًا أن يحل المجلس البلدي ويعيّن لجنة مؤقتة تقوم مقامه!!

في هذه المادة يتجلى كيف أن موظفًا يفوضه الوزير باعتباره "مختصًا" بأن يتحكم في مصير مجلس منتخب!! كيف نجعل المواطن يثق عندئذٍ بأن لصوته قيمة في إشغال مواقع العمل العام؟

ألا تشكل هذه الصلاحية المعطاة للوزير تعديّاً على صلاحيات المدعي العام بالمضي في المحاكمة أو السير بالدعوى، وهنا يصبح قرار الوزير بكف اليد أو أكل عقوبة بغير نص قانوني، وهذا يخالف كل مبادئ العدل في كل أنحاء العالم كونه عقوبة مسبقة؟

أما المادة (58) فهي تعتبر مشروع القانون هذا قانونًا جامعًا مانعًا حيث تنص على أن "كل من ارتكب أي مخالفة لأحكام هذا القانون أو الأنظمة الصادرة بمقتضاه لم تعين لها فيه عقوبة خاصة يعاقب بغرامة لا تقل عن مائة دينار ولا تزيد عن خمسمائة دينار"!!

فماذا لو كانت المخالفة تنطوي على تهديد محتمل للأرواح مثلًا؟ أو تشكل تعديًا على حرمة الأموات؟ أو فيها إفشاء لأسرار ما لجهة أجنبية؟ أو تؤدي إلى تحميل البلدية أو الخزينة مبالغ أضعاف قيمة المخالفة؟

لماذا لم يأت النص بشكل واضح على أنه "تسري المبادئ والأحكام القانونية النافذة في المملكة على كل مخالفة أو جريمة لم يرد عليها النص في هذا القانون؟"

أخيرًا، لا بد من الإشارة إلى أن مشروع القانون ينتهك مبدأ قانونيًا دوليًا صادق عليه الأردن في أكثر من اتفاقية وهو مبدأ "عدم رجعية القوانين" أي أن القوانين لا  تطبق بأثر رجعي. مشروع القانون يخالف هذا المبدأ في المادة 16 فقرة هـ/2- التي تعتبر النفقات التي فرضت بمقتضى هذا القانون قبل العمل به، وكأنها مفروضة بمقتضاه سواء استوفيت أو لم تكن مستوفاة عند صدوره".

أما تحديد الكوتا النسائية بـ(25%) بعد أن وردت من الحكومة على أساس أن لا تقل عن (25%) فهي تخالف التوجه العام للتوصيات الدولية بأن لا تقل نسبة تمثيل المرأة عن 30%. أما من ناحية واقعية، فما الذي يمنع من فوز النساء بنصف أعضاء مجلس بلدي ما؟ كان على مشروع القانون أن يبقى كما ورد من الحكومة "على أن لا تقل نسبة تمثيل المرأة عن 25%) وليس حصر النسبة ب25%.

إن مشروع القانون هذا أغفل دور البلديات والمجالس المحلية في تشجيع الاستثمار، ودورها في توحيد نافذة الاستثمار، بل إن مشروع القانون وبما أعطاه لوزير الإدارة المحلية من صلاحيات في توزيع العوائد على مجالس الخدمات المشتركة، وأولويات احتساب حصص البلديات، سوف يؤدي إلى معاقبة البلديات النشيطة والقادرة على توفير الموارد من أجل تقديمها إلى هيئات أخرى أقل نشاطًا وقدرة.

دولة الرئيس،

لا يخفى على دولتكم أن هذا ليس مشروعًا عصريًا لإدارة البلديات وتنمية اللامركزية، بل هو نظام يقونن صلاحيات الوزير واجتهاداته وتقديراته، ويعطي منصب الوزير سيطرة تامة على المجالس المحلية ويجعل وزن قرار الوزير أكبر من مجموع وزن إرادة الناخبين في المملكة ما سيؤدي حكمًا إلى عزوف المواطنين عن المشاركة في الحياة العامة.

لم نشأ أن نثقل على دولتكم بمناقشة بنود ومواد القانون المختلة من عنوانه وحتى ديباجة مسوغاته فهي لن تخفى على دولتكم وأعضاء مجلسكم الموقر ولذلك نأمل أن تردوه بجملته، وأن يتم إفساح المجال لأهل الاختصاص بالمشاركة بمشاريع قوانين عادلة وعصرية، تحقق رؤى سيد البلاد، وطموحات شعبنا الأردني.

وتفضلوا دولتكم قبول موفور الإحترام 

عمان في 4  أيلول 2021