فارس حباشنة يكتب : وثيقة الجلوة العشائرية.. كلمة حق...

فارس حباشنة 
من ذاق مرارة الجلوة وتداعياتها وعواقبها يعرف ويقدر كم ان توجهات وزارة الداخلية الاخيرة بهذا الخصوص حكيمة وراشدة، وناصحة، وتحمي امن المجتمع، ومصالح الافراد، وتغلب العدالة بين افراد العائلة والعشيرة الواحدة، وعلى قاعدة ومبدأ القرآن الكريم: «ولا تزر وازرة وزر أخرى».

امس اعلن محافظ العاصمة ياسر العدوان عن تنفيذ اول تطبيق لجلوة عشائرية اقتصرت على الجاني وابنائه ووالده، وذلك بعد اقرار وزير الداخلية لوثيقة عشائرية تنص على ذلك.

وبحسب العدوان فان «الاردن طبق الاحد للمرة الاولى الجلوة العشائرية بمفهوم جديد يطبق فقط على الجاني وابنائه واولاده، من دون ان يتاثر اي طرف في العائلة بهذا الابعاد»، حيث «يختفي من شملهم الجلوة عن الانظار ولا يعودون الا بموافقة اهل المعتدى عليه، ولفترة يحددها اتفاق عشائري»، وفقا لقضاة عشائريين.

الجلوة العشائرية من المفردات الاردنية المأساوية في القرن الحادي والعشرين، ومن المفردات العنيفة التي تطارد سلم وامان واستقرار عوائل اردنية. مئات من العائلات اشبه ما تعرضت الى تهجير وترحيل قسري، وتحت عنوان الجلوة العشائرية، واعرف في الكرك تحديدا عشرات من العوائل ما زالوا جاليين عن قراهم وديارهم على خلفية قضايا قتل وعنف مجتمعي.

انا.. مع تنظيم الجلوة العشائرية، وهذا ما خرجت به وثيقة وزارة الداخلية الاخيرة. واكرر مرة اخرى بان من ذاق مرارة الجلوة العشائرية يقدر ماذا يعني تهجير وتشريد اطفال ونساء ومسنين من ديارهم، وكيف تنقلب فجاة حياة الناس، ويخسرون مصالحهم وتتعطل اعمالهم، وتحرق بيوتهم، ويخسرون وظائفهم، ويتكبدون خسائر وعقابا جماعيا ليس لهم به علاقة من قريب او بعيد.

العرب قالوا: «كل شاة مربوطة/ معلقة من عرقوبها»، وقالوا كل شاة برجلها معلقة.. وهذه الامثلة والحكم من قيم الموروث العربي، وقيم المجتمعات المحلية، وما يعني ان كل فرد يتحمل مسؤولية عمله وما يقوم من فعل.

فما ذنب اطفال ومراهقين وطلاب جامعات يحرمون من الذهاب الى المدارس والجامعات. ومن الارث السلبي لوقائع الجلوات العشائرية في الكرك المأساوية والحزينة ان كثيرين خسروا تجارتهم ومصالحهم، وهجروا مزراعهم واغنامهم، وتكبدوا خسائر لا يعلم بقدرها الا رب العالمين، وتحولوا على غفلة من مواطنين منتجين واصحاب اعمال الى عالة على الاخرين، ويعيشون على الصدقة وفعل الخير.

واظن هنا ان الدولة وضعت يدها على مأساة وحرج اجتماعي خطير. ولعل ما هو المطلوب في الراهن مراجعة القضايا العشائرية، وفتح جردة شاملة وكاملة لطيها بضوء ما يتوافق مع الوثيقة والتصورات الجديدة التي اعلنت وزارة الداخلية عنها حول الجلوة العشائرية.

استمعت كثيراً لشيوخ عشائر ثقات، تحدثوا حقيقة بمرارة وقسوة عن الجلوة العشائرية. وللامانة هناك «شيوخ عشائر» موثوقون مشغولون بصبر وروية باصلاح ذات البين، واقامة الحق والعدل العشائري، وحماية الامن الاجتماعي، وارساء قيم واخلاق عشائرية اصيلة ونبيلة وحكيمة.

وهناك من الشيوخ صراحة يستحقون كلمة شكر لما يقع عليهم من مسؤولية وعبء عشائري واجتماعي، ومنهم الشيخ عبدالكريم الحويان، وهو صاحب سيرة طيبة وعطرة في اصلاح ذات البين، ومن حراس القيم والمباديء العشائرية، ورجل بالغ الحكمة والحنكة في القضاء العشائري، ويستحق ان يُقال به اكثر من ذلك، وبشهادة من الجميع.

من دون شك امام وزير الداخلية والحكام الاداريين مهمة صعبة، وانجازها بالطبع يحتاج الى انفتاح وتفهم وحوار عشائري واجتماعي. ووثيقة الداخلية الاخيرة حول الجلوة اي تراجع عنها، يعني انتكاسة لمشروع التخلص من هذا الارث المرير والمأساوي.

ارساء العدالة ودولة الحق والقانون لا يتناقض مع العشيرة، وثمة فارق بين العشيرة والعشائرية. في السنوات الاخيرة تعرضت العشيرة الى هجمة، ولم يدرك مروجو العشائرية واصحاب «المواقف الدوغمائية» والمتنفعين والمتكسبين من العشائرية، انهم اكثر ما يسيئوا الى العشيرة ويحملونها جرما لم تقترفه ابداً.