«كوابيس درعا» تعيد أجواء الأرق الأمني والسياسي في البلاد
عمان – «القدس العربي»: بسام البدارين
الأكثر حساسية وإثارة للهواجس بالنسبة لمراكز القرار الأردنية من تطورات الأحداث الدراماتيكية أمنياً جنوبي سوريا، هو أو يتمثل في عدم وجود نظرية ناضجة ومتكاملة توضح للأردنيين ولغيرهم في الإقليم ما الذي حصل بشكل محدد ومنطقي جنوبي سوريا، وعلى أكتاف الخاصرة الشمالية للمملكة الأردنية الهاشمية، وبصيغة تستدعي كل الهواجس والكوابيس السيئة أمنياً واجتماعياً، لا بل سياسياً ومالياً ودبلوماسياً، في الوقت نفسه.
الأكثر حساسية في كل الاتجاهات هو ترديد تلك النغمة التي تفترض بأن عودة أحداث درعا جسم مرهق للمؤسسة الأردنية، قد يكون سببه تفاعل الأردن مع بعض الرغبات الأمريكية وعدم الحرص على التباين دبلوماسياً مع الإسرائيلية التي تحمل عنوان الضغط على إيران حصرياً، حيث إشارات واضحة من محللين أردنيين هنا تؤكد بأن التيار المتطرف والمتشدد حكم في طهران مؤخراً بعد الانتخابات الأخيرة.
فاتورة الاشتباك
كما تؤكد بأن الدبلوماسية الأردنية التي احتفت بوجود المزيد من القوات الأمريكية في الأرض الأردنية أولاً وبالقرب من سوريا ولبنان ثانياً، وبتلك التفاعلات التي أسستها لدور إقليمي أردني إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، هي من العوامل والعناصر التي تقلق الإيرانيين في المنطقة.
وفقاً لهذا التحليل، لا بد من الوقوف عند أحداث درعا الأخيرة الملتهبة أمنياً باعتبارها محطة لا بل رسالة تؤكد للأردنيين ضمنياً بأن ليلهم الطويل لا بد أن يسهروه مجدداً، وأن ما قد يحصل لاحقاً هو جزء من فاتورة التفاعل والاشتباك مع الاستراتيجية الأمريكية.
الأردنيون، في طبيعة الحال، ليسوا جزءاً إطلاقاً من أي عملية عسكرية أو سياسية منظمة، سواء على الجبهة الأمريكية أو على الجبهة الإسرائيلية، ضد إيران ومصالحها في المنطقة، وهم معنيون -كما يؤكد دوماً وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي- بإقامة علاقات واتصالات وتفاهمات جوار مع الجمهورية الإيرانية الإسلامية. لكن الدعوة لتفاهمات جوار لم تقنع الصفدي تحديداً، الذي يقود منفرداً الدبلوماسية الأردنية حتى اللحظة بتسمية وإرسال سفير يمثل بلاده في العاصمة الإيرانية منذ أكثر من أربع سنوات.
لذلك، في القاموس الإيراني تحديداً ستبقى العلاقات جامدة، وسيبقى كلام الصفدي أو غيره من المسؤولين الأردنيين مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي، فيما ستبقى الأسواق العراقية مغلقة تماماً على المصالح الأردنية مادام الأردن قد قرر التفاهم فقط مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وما دام الأردن – دبلوماسياً وسياسياً- في محيط بؤرة استراتيجية تتحرك عملياً ضد المصالح الإيرانية في العراق، وتحاول المشاغبة على المصالح الإيرانية، سواء في لبنان أو في سوريا، وإن كانت تشكل مدخلاً لدبلوماسية نشطة في الملف الإيراني، غير معادية لإيران وتساعد اليمنيين، كما يقترح المحلل السياسي والاقتصادي الدكتور أنور الخفش.
وسبق لمحللين أردنيين بارزين أن اقترحوا على سلطات بلادهم التنويع في التحالف والصداقات الإقليمية، وبين هؤلاء الدكتور عامر السبايلة، الذي أصر مـرات عـدة أمام «القـدس العربي» على أن الفرصة متاحة لإعادة ومراجعة قراءة المشـهد الإقليمي على نحو أعمـق، واتخـاذ القـرارات المناسبة للمصالح الأردنية الحيوية والأساسية قبل الذهاب بأي اتجاه، خصوصاً عندما يتعلق بكلفة التمـحور وكلـفة الاتـجاهات والتحـالفات.
السبايلة يضم صوته إلى دعاة القراءة المتنوعة العميقة لمسار الأحداث والتوثق من أن الأردن، وهو يتحالف ويتفق أو يتمحور أو يتموقع، معني بوجوده في الموقع المناسب بعيداً عن التعاكس مع مصالح دولة مهمة في المنطقة، مثل إيران، وأيضاً لمصالح دولة أخرى مهمة مثل تركيا.
سيناريوهات
وبالتالي، يبدو أن التحالفات السياسية والدبلوماسية الأردنية التي تمأسست بعد الاختراقات المهمة التي حصلت مع الإدارة الأمريكية الحالية وبرعاية الرئيس بايدن مفيدة جداً في بعض الاتجاهات الاقتصادية والإقليمية، وخصوصاً في الاتجاه المتعلق بالانفتاح على تجربة ومشروع الرئيس الكاظمي في العراق، وعملية السلام والتسوية والورقة الفلسطينية، حيث اجتماعات حتى الآن يمكن القول إنها ناجحة.
لكن المحظور تماماً هو اندلاع أحداث يمكن أن تؤذي المصالح الأردنية على أكتاف الخاصرة الشمالية للمملكة، وهو ما يحصل الآن.
ولذلك، تدرس بعناية تلك السيناريوهات التي تفترض اليوم بأن تنشيط التفاعلات والإشكالات في محيط درعا، الذي يسبب جرحاً نازفاً ويطرح سيناريوهات مقلقة للأردنيين قد يكون مبعثه توجيه رسائل للأردن.
وهي رسائل من صنف عميق وخاص، تقول ضمنياً بأن الخاصرة الشمالية الأردنية يمكن أن تضطر -كما قال يوماً رئيس مجلس النواب الأسبق لـ«القدس العربي» سعد هايل السرور- للسهر على مدار 24 ساعه يومياً، ويمكن أن تتعرض مصالح الأردن الحدودية لمضايقات بعنوان أزمة إنسانية جديدة بعد اندلاع أحداث درعا الأخيرة، وأيضاً بعنوان قلق أمني من المجموعات المسلحة التي تحارب أو تقصف المجموعة المعارضة المسلحة في محيط درعا، وهي على الأغلب – بتقدير الغرفة الأردنية مجموعات – موالية لإيران ولحزب الله اللبناني.
وعليه، تقول الفرضية اليوم سياسياً، بأن الإيراني قد يكون المساند الرئيسي لاندلاع الأحداث مجدداً في جنوب سوريا، خصوصاً أن مصالحه على المحك.
وبالتالي، جزء من إشغال الأردن مجدداً بالصداع المزمن الذي يحمل اسم اللجوء والنزوح السوري أو اسم درعا مشكلة أردنية، قد ينطوي على رسالة تقول بأن ثمة فاتورة لانضمام الأردن، بأي حال، لأي مشروع مضاد لإيران أو يساعد في حصارها اقتصادياً أو يلحق الضرر بها، وبالتالي يصبح الإيراني لديه مخلب قوة وهامش مناورة حدودي أمني مقلق للأردنيين بأقرب مسافة ممكنة من الأردن، مع أن الصفدي نفسه سبق أن حذر عبر اتصال سابق بـ«القدس العربي» من أن بلاده لا تريد رؤية أي مجموعات أجنبية مسلحة في محيط ما لا يقل عن 70 كيلومتراً بعد الحدود في عمق درعا وحاراتها وقراها.
المسار الدرعاوي اليوم مؤرق للأردنيين، وقد يكون له سبب إيراني أو ينطوي على رسالة إيرانية عنوانها بأن انضمام الأردن لاحقاً لأي مشروع يستهدف طهران قد يكون مكلفاً عبر هؤلاء المسلحين الموجودين بقرب نقطة جغرافية من شمال الأردن.