الابتزاز النفسي والعاطفي يفرض سلطة “الأنا” ويهدد العلاقات الإنسانية

تغريد السعايدة

عمان- "مش قاصدك، ما بعرف انك تتحسس، أعتذر عن سوء الفهم”، كلمات قد يطلقها المسيؤون للآخرين بدافع الابتزاز النفسي، وكنوع من ضمادات الجروح، ولكنها لا تغني ولا تسمن عن جبر الكسر الذي قد يتعرض له الشخص، في الوقت الذي يرى فيه كثيرون أن الابتزاز النفسي هو "معول يهدم العلاقات ويباعد في العلاقات الاجتماعية”.
وتتعرض الكثير من العلاقات الاجتماعية إلى سلوك إنساني عادةً ما يعرف بالابتزاز النفسي والعاطفي، الذي قد يتعمد فيه البعض إلى تعريض الطرف الآخر إلى الإحراج أو "الإهانة” أمام الآخرين، ما قد يؤثر سلباً في نفسية الشخص وسلوكه فيما بعد، وحدود علاقاته مع الآخرين، إضافة إلى وجود شرخ في المجتمع أو الأسرة أو العلاقة بين الزملاء في العمل أو الدراسة، والأصدقاء.
قليلون جداً من يتحدثون عن تعرضهم للابتزاز النفسي والعاطفي، من المحيطين خوفاً من تعرضهم للإحراج، أو التأنيب من عائلاتهم، عدا عن خوفهم من أن تبقى تلك "الإهانة أو الندبة” التي تعرضوا لها نفسياً، عالقة في أذهان الآخرين، كما تعبر الشابة سجى، في وصفها للابتزاز العاطفي بأنه نوع من السلوك الذي "يعتمده كثيرون لإشعار الآخر بالذنب لتحقيق أهداف ومآرب خاصة بهم”.
سجى، التي يتضح من عباراتها أنها تعرضت بالفعل للابتزاز العاطفي والنفسي، تقول: "إن الشخص "المُبتز” يجب أن يجد من يوجه له الكلام المباشر ويحاول أن يحجم تصرفاته غير المبالية بمشاعر من هم حوله، إذ إن عدم الرد يؤدي إلى التمادي في التصرفات أو التعليقات السلبية التي يوجهها للآخرين دون مراعاة آثار ذلك فيهم، بل إن غالبيتهم عند مواجهتهم يبررون ذلك بأنهم "لم يقصدوا الإساءة”، وهذا كما تسميه "عذر أقبح من ذنب””.
ولكون هذا السلوك الإنساني السلبي ذا تأثير كبير في العلاقات المجتمعية، فقد تعمدت إحدى المختصات في علم النفس والعلاقات الإنسانية الأميركية سوزان فورورد إلى تأليف كتاب بعنوان "الابتزاز العاطفي”، الذي تعتبره أحد أشكال التلاعب النفسي، ويحدث خلاله استخدام منظومة من التهديدات وأنواع مختلفة من العقاب يوقعها شخص ما على آخر قريب منه في محاولة للسيطرة على سلوكه.
فورورد تُعرف الابتزاز العاطفي بأنه "سلاح يستخدم بغرض إجبار شخص آخر على الخضوع إلى رغباتنا ومطالبنا، وهو أحد أشكال التلاعب القوية، التي يهدد خلالها المبتَز ضحيته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إذا لم يحصل على ما يرغب فيه، حيث يكون على علم بنقاط ضعف ضحاياه وأدق أسرارهم، ويستخدمها ضدهم بغية إرضاخهم إلى حكمه؛ إذ غالباً ما يكون الأشخاص الذين يلجؤون إلى الابتزاز العاطفي من الأصدقاء والزملاء وأفراد العائلة الذين تربطنا بهم علاقات قوية”.
وكما في جاء في الكتاب، فإن "الشخص المُبتز يتنكر بصورة المعاقب أو الناقد، وعادةً ما يتقمصون دور الضحية، وإشعار الشخص الذي يتعرض إلى الابتزاز العاطفي بتأنيب الضمير والشفقة على المبتَز، فيرضخ نتيجة لذلك إلى أحكامه ومتطلباته، في حين أن هذا السلوك يؤثر في الطرف الآخر من ناحية جرح كرامته وكبريائه وتجذير مشاعر الخوف وتأنيب الضمير، والتحكم به عاطفياً”.
ولكون جميع اختصاصيي وعلماء النفس أجمعوا على أن الابتزاز من أكثر السلوكيات التي قد تدفع الإنسان إلى الانعزال والخوف والتشتت في علاقاته، فقد بينت اختصاصية علم النفس وعلم النمو الاستشارية الأسرية الدكتورة خولة السعايدة، أن في أساليب التواصل الإنساني يعتمد البشر على أنماط عدة، ولعل النمط الأكثر سلبية هو التعامل بطريقة الابتزاز العاطفي والنفسي.
وترى السعايدة أن للابتزاز النفسي عوامل عدة تزيد من حدتها في العلاقات، وأحدها ما يتعلق بالشخص الذي يتعرض للابتزاز، كنمط شخصيته وأفكاره ومعتقداته وحاجاته النفسية والاجتماعية، وهناك أسباب أخرى تتعلق بمن يقوم بالابتزاز، من ناحية قيمه وأخلاقه وطريقة تعامله مع المحيطين والمشاعر التي يكنها لهم، والطريقة التي يحاول فيها إثبات نفسه بين الناس.
وترى السعايدة أن لهذا التصرف السلبي آثار خطيرة عدة في الأفراد والمجتمع على حد سواء، أبرزها تذبذب ثقة الإنسان بنفسه ولجوؤه إلى الانعزال ومن ثم دخوله في مرحلة الاكتئاب التي قد تصل إلى مشاكل أسرية كبيرة، ويبقى الشخص الذي يتعرض للابتزاز في حالة حزن شديد وخوف من التواجد بين الناس ويجعله حبيس نفسه فقط ويخشى الآخرين، وخاصة في حال تواجده مع الشخص الذي يمارس عليه الابتزاز.
مئات القصص التي تُروى في التجمعات أو "القروبات” عبر مواقع التواصل الاجتماعي تبين مدى وجود مثل هذا السلوك بين الأزواج، كونها من أكثر العلاقات الإنسانية والاجتماعية ترابطاً وقرباً وتجاذباً، لذلك يعتقد الاستشاري الأسري وخبير العلاقات الزوجية أحمد عبدالله أن الابتزاز العاطفي واحد من ملامح قرب انتهاء صلاحية العلاقة الزوجية، فهو عكس الهدف المنشود من وجودها، فالأسرة توجد لبث السكينة والهدوء بين الطرفين، والاستغلال أو الابتزاز العاطفي والنفسي من الممارسات المقصودة الهدف منها تحصيل أكبر منفعة شخصية من خلال نقاط ضعف الطرف الآخر. ووفق عبد الله، فإنه من الطبيعي بمكان ما أن نرى المرأة هي الضحية الأكثر شيوعاً في هذا الأمر كونها الأكثر انفعالية وشاعرية، والأكثر قبولا لفكرة التضحية من أجل أن تبقى الأسرة مستقرة، فيما المبتز عاطفيا هو شخص متنمر، ولكنه في الخفاء حيث يستهدف شريك الحياة بطريقة مؤذية بشكل كبير وكل هذا لتحقيق مصلحة ذاتية.
ويشدد عبد الله على أنه من المهم جدا حماية الذات وتعلم مهارة قول لا، والرفض لما لا يناسب حياة الإنسان، كما أنه من المهم أيضا التفكير كثيرا في المشاعر الذاتية، فالمشاعر تعطي صاحبها مؤشرا بأنها تتعرض للتنمر، وللأسف يتم تجاهل هذا الصوت الداخلي في كثير من الأحيان، وبالتالي ظهور آثار هذا الابتزاز على الشخص من ناحية الانتكاسة النفسية والسلوكية لديه.
ويشار إلى أن بعض خبراء النفس والعلاقات الإنسانية أطلقوا على الابتزاز العاطفي أو النفسي مصطلح "العنف النفسي” لما يلحقه من تأثير وأذى على الآخرين ويسبب لهم شرخا وتهتكا في الصحة النفسية التي يترتب عليها كذلك خلل عاطفي واجتماعي وسلوكي في الوقت ذاته.
الغد