فترة ما بعد 9/11 تمثل الفترة الذهبية للمسلمين الأمريكيين

أشارت مجلة "إيكونوميست” إلى أن شيطنة المسلمين في أمريكا لم تمنع من صعودهم وتحقيقهم إنجازات وطنية مهمة. وقالت إن الـ 20 عاما الماضية كان فترة ذهبية للمسلمين الأمريكيين، فقد تضاعف عددهم إلى 3.5 مليون وزاد حضورهم في الحياة العامة اضعافا مضاعفة.

 فلو تجاوزت الجسور العلوية في أي مدينة كبيرة فإنك سترى القباب الذهبية تتلألأ تحتك، فقد زاد عدد المساجد في مرحلة ما بعد 2001 إلى الضعف وزاد توجه الأقلية العلماني. والمسلمون الأمريكيون أكثر الأقليات الدينية تعلما، وتبلغ نسبة الأطباء المسلمين في ميتشغان 15% مع أن عددهم لا يشكل سوى 3% أو أقل من السكان، ولا تسأل عن أعداد الفنانين والصحافيين والسياسيين المسلمين. ويمثل ماهرشالا علي وإياد أختر وعزيز أنصاري وحسن منهاج جزءا من الممثلين والكتاب والكوميديين المسلمين الذين حازوا على جوائز وظهروا في السنوات الأخيرة. 

وتحت كل من رشيدة طليب وإلهان عمر، أول امرأة تنتخب للكونغرس أعداد لا تحصى من المسؤولين المسلمين الذين تم انتخابهم في مجالس المدارس والحكومات المحلية. وبعد 4 قرون من وصول الإسلام إلى أمريكا وجد المسلمون مكانهم. ومع ذلك زادت هجمات الكراهية "إسلاموفوبيا” وتداعيات انهيار البرجين في نيويورك عام 2001. ويرى نصف الأمريكيين وغالبية الجمهوريين أن الإسلام يدعو إلى العنف، وهو ضعف العدد الذي كان يحمل نفس الرأي عام 2002.  ويقول علي دبجا، طبي الطوارئ من ميتشغان "مع أننا نحاول الإندماج إلا أن هناك أمورا علينا العيش معها”. وتذكر هو يشهق باكيا كيف حاول سائق شاحنة في فلوريدا دهسه وشقيقتيه المحجبتين (إحداهما طبيبة وأخرى محامية). ويحدث هذا السلوك رغم النماذج الإسلامية الكثيرة بل وفي وقت لم تشهد فيه أمريكا عنفا جهاديا. ولم يقتل الجهاديون منذ عام 2001 سوى 170 شخصا. ونصف الضحايا في حادث إطلاق النار بناد للمثليين له علاقة بالدين. ولو استشهدنا بما قاله دونالد ترامب الذي منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، ماذا يحدث هنا؟ والجواب هي معركة معروفة لأمريكا وتضع الدينامية والانفتاح وجها لوجه ضد المحلية والرهاب. والمسلمون هم آخر أقلية يجدون أنفسهم وسطها. فعلى الجانب المفتوح من المعركة، فنموهم ونجاحهم هو شهادة لعبقرية الولايات المتحدة مع المهاجرين. ونصف المسلمين الأمريكيين ولدوا في الخارج بمن فيهم أعداد من الحرفيين والمهنيين الذين أغراهم بالهجرة قانون الهجرة لعام 1965. وتضم مهاجرين من جنوب آسيا وأباء كل من أختر وأنصاري ومنهاج.  وكان الأولان طبيبان والأخير صيدليا، ووجدوا في أمريكا الفرصة والحرية الدينية والثقافة المدينة والبعد عن حياتهم القديمة، ولهذا كان أبناؤهم أكثر وطنية من نظرائهم الأوروبيين وأقل اهتماما بالجهاد. فالحلم الأمريكي كان دائما ترياقا للتطرف. 

ورد الشباب المسلمون بطريقة مدهشة على التمييز الذي واجهوه فيما بعد 9/11 من خلال الحديث عن وعد الحرية. وأطلق على برنامج منهاج في نتفليكس  "باتيوت آكت” (عمل وطني) ووصف فيه الرد المختلف منه ووالده على البلطجية الذي هشموا نافذة سيارتهم، فقد كان الرجل العجوز خائفا ومستسلما، أما الشاب فقد كان مندهشا وغاضبا. وبنفس السياق قال عاصم باديلا، طبيب الطوارئ والمتخصص في علم الأحياء وجوانبه الأخلاقية الإسلامية إن التعصب الذي واجه عندما احترق البرجان "غير حياتي”. وكان طالب طب في جامعة كورنيل حيث سارع للمساعدة في فرز المصابين لكن سائقي الحافلات في مانهاتن رفضوا فتح أبواب الحافلات له و "لم تكن سماعة الطبيب كافية لحجب لحيتي” ولهذا قام بتمثيل الأخلاق الإسلامية في عمله الطبي. 

ومع ذلك فهجمات 9/11 لا تفسر المشاعر المعادية للمسلمين، فقد حاول جورج دبليو بوش قمعها بقوة، وأصبح الهجوم على المسلمين مترسخا في أوساط اليمين نظرا لثقافة التظلم التي ظهرت عام 2008، بعد انتخاب أول رئيس أسود وباسم مسلم. وتؤكد هذه المخاوف المعلنة مواقف الكارهين الأمريكيين للإسلام والذين لا يهتمون كثيرا، مقارنة مع كارهي المسلمين في أوروبا على الممارسات والمعتقدات الإسلامية بقدر ما يخشون من هجرة المسلمين. 

فعندما أعلن ترامب عن دخوله في السياسة من خلال اقتراحه أن أوباما كان مسلما وأجنبيا في نفس الوقت، ألمح إلى ارتباط الأمرين معا. ومن ثم أصبح الهجوم على المسلمين وتقريعهم مركزيا في حملته الانتخابية. وبحسب التحليلات التي أجريت في وقت لاحق فإن المشاعر المعادية للمسلمين "إسلاموفوبيا” كانت السمة الرئيسية لناخبيه. وهو نوع من التعصب الذي يزيد بسبب تظلم الغالبية البيضاء التي يتناقص عددها، وهو من النادر أن يكون عن المسلمين، وفي ضوء ازدهار الأقلية المسلمة. وكان هذا واضحا في انتخابات العام الماضي عندما حرف ترامب نظره عن المسلمين وركز على الناشطين السود. وهذا التحول متناسب مع الأبحاث التي اقترحت أن الأصوات القبيحة النابعة من الحزب الجمهوري وتهاجم المسلمين تبدو أقل خطورة مما تبدو. ويرى شادي حميد، الباحث في معهد بروكينغز أن المسلمين الأمريكيين يعيشون في المدن وعددهم قليل، فلا فرصة لدعاة المحلية الاتصال معهم أو التركيز على المسلمين لوقت طويل. وقال "نحن لسنا الهدف الأكبر للعداء من الأجانب لأن هناك جماعات أكبر يمكن شن حملات عنصرية ضدها”. ومما يعزي النفس أن هناك أدلة كثيرة حول من يخسر المعركة، فتعصب اليمين يعكس خسارة المكانة التي يعاني منها أعضاؤه وفي الوقت نفسه يواصل المسلمون بالازدهار.

 ويقدم كوفيد-19 والجنون الذي أحدثه اليمين بشأنه صورة قوية حول هذه المواقف النسبية.  فعادة ما يكون المناهضون للتطعيم وأتباع ترامب الذين يدخلون المستشفيات من أكثر الناس كراهية للمسلمين. والمفارقة أن من سيعتنون بهم ويعالجونهم هم الأطباء المسلمون. ولم تغب هذه عن الدكتور دباجة الذي قال "عندما يتعامل الناس مع واقع الموت أو موت الأعزاء عليهم، تتلاشى أجندتهم السياسية”.
القدس العربي