لو صدقت الرواية الإسرائيلية
ماهر أبو طير
لم تمض أيام قليلة إلا وتمكنت قوات الاحتلال من إعادة اعتقال عدد من الأسرى الذين فروا من سجنهم، وعلى هامش عملية الاعتقال كان لافتاً التسميم في أغلب الروايات الموجهة إلى الناس.
إحدى الروايات تحدثت عن شخص عربي قدم معلومات للاحتلال عن وجود أسيرين، قدما إلى بيته طلبا للطعام، فلم يقدم لهما شيئا، وأبلغ الشرطة، والرواية سواء صحت أو لم تصح، فالغاية من إشهارها هي تحطيم الروح المعنوية للناس، والقول لهم إن لدينا شبكة من العملاء الذين يتعاونون معنا، ضد من تعتبرونهم أبطالا، بحيث تسود الشكوك، والكراهية، وبحيث يتم تشويه سمعة الفلسطينيين، الذين لم يقل أحد أساسا أنهم ملائكة، إذ إن بينهم من هو الوطني، وهؤلاء أغلبية، وهناك نفر قليل على صلة بالاحتلال، حالهم حال شعوب كثيرة جربت الاحتلال.
في كل الأحوال نفت جهات فلسطينية خبيرة قصة العربي الذي قدم المعلومات، والكل يحذر من الحرب النفسية في هذه الأزمات، لأن تحطيم الروح المعنوية، وإفساد البهجة أمر مهم للاحتلال.
حتى لو اعتقلت إسرائيل الآلاف أيضا، إضافة إلى العشرة آلاف أسير الحاليين، فإن العبرة في أن ملف الأسرى يجب أن يكون حاضرا، إضافة إلى أن البطولة في عملية الخروج تبقى هي الصفعة على وجه الاحتلال، الذي سخر كل جيشه من أجل إلقاء القبض على هؤلاء، واستعمل كل التقنيات المتوفرة لديه، وهو حتى لو استعادهم جميعا، فهو لم يرمم آثار الضربة التي تلقاها.
هذا أكبر احتلال مكلف في تاريخ البشرية، إذ ان إسرائيل لا ترتاح أبدا، ولو تأملنا أحداث سنة كاملة لوجدنا ان الاحتلال لا يرتاح، فهو احتلال مكلف عليهم، سياسيا، وأمنيا، وماليا، حتى لا نبقى في خانة الاستضعاف، والشعور بالذل والهوان، أمام ما يجري، وقد تأتي الأيام المقبلة، بأحداث أكبر، على مستويات مختلفة، خصوصا، اذا دخل الاحتلال جنين، أو حاول التورط في حرب ضد غزة، لأي سبب كان، او أعاد محاولات لمس المسجد الأقصى، كالذي شهدناه في رمضان، مما يعني ان المواجهة مع الاحتلال ستبقى متواصلة، ومفتوحة حتى إشعار آخر.
إسرائيل تدرك أهمية الحرب المعنوية والنفسية، وهي تعرف ان صناعة الأبطال وترميزهم كما في قصة الأسرى الستة الذين فروا من سجونهم، عملية خطيرة لا بد من محوها، بأمرين أولهما إعادة اعتقالهما، وثانيهما تلفيق القصص حول قيام عرب فلسطينيين، بالكشف عنهم، لكن الذي لا يدركه خبراء الاحتلال، أن محو بطولتهم لا يتم بهذه البساطة، وان العملية التي نفذوها كانت رسالة لكل الفلسطينيين في الداخل، مثلما كانت ضربة على وجوه الإسرائيليين، وأيضا لا بد أن يقال هنا، ان وجود نفر متعاون مع الاحتلال، ليس غريبا، ولو قرأنا كل تجارب الشعوب تحت الاحتلالات، لوجدنا من قاومها ومن تعاون معها، فالخونة هنا، ليسوا النموذج المستغرب، أو الذي يتم اتباعه، ويكفينا مشهد فرار عشرات آلاف الأفغان، بعد مغادرة الأميركيين، خوفا من دفع ثمن تعاونهم مع الاحتلال، وهو مشهد أكبر بكثير، من كل محاولات تسويق الخيانة.
برغم كل محاولات تحطيم الفلسطينيين على مدى عقود، إلا أن هؤلاء وقفوا في وجه الاحتلال، ومن باب الأمانة هنا، لا بد أن يقال إن الانسان العربي عموما، لم يكن يوما مع الاحتلال، بل ان اغلب العرب أيضا قاوموا احتلالاتهم، وهذا الوقوف في وجه الاحتلال، غني بالعبر والدروس، حين نرى نماذج الابطال، ونرى أيضا نماذج الذين خانوا أمتهم وبلادهم، فلا يبقى في البال، سوى النماذج التي قادت الناس، وحفرت في ذاكرة الشعوب، درسا لا ينسى حول نهاية كل احتلال.
ستة رجال مرغوا كرامة إسرائيل في الطين، حتى لو تم اعتقالهم مجددا، فالعبرة هنا، بالفعل، وليس برد الفعل، وسيبقون حاضرين في الوجدان الشعبي، ولن يغيبوا طال الزمن أو قصر.