النساء يهيمن على جوائز مهرجان البندقية

البندقية – «القدس العربي»: اختتم مهرجان البندقية السينمائي دورته الثامنة والسبعين بمنح جائزته الكبرى «الأسد الذهبي» لفيلم المخرجة الفرنسية – اللبنانية الأصل أودري ديوان «الحدث» التي تدور أحداثه بداية الستينيات، حيث تحمل فتاة من شاب بعد ممارستها الجنس معه ولا تدري كيف تتخلص من الجنين، إذ أن الإجهاض لم يكن قانونياً آنذاك.
الفيلم يسبر قضية ثمن الحرية الجنسية التي حققتها النساء في الستينيات، فبينما لم يتحمل الشباب عواقب الحمل، توجب على الفتيات إخفاء ذلك عن المجتمع وعن أقاربهن والمخاطرة بحياتهن من أجل التخلص منه.
من المفارقات أن «الحدث» يستحضر فيلم جوليا دوكورناو «تيتان» السيريالي، الذي فاز بجائزة «السعفة الذهبية» في مهرجان كان الماضي، إذ تمحور هو أيضاً حول فتاة غريبة الأطوار تحاول التخلص من جنين حملته بعد ممارسة الجنس مع سيارة.
وهذه هي أول مرة في تاريخ السينما تفوز فيها امرأتان بجائزتي أهم المهرجانات السينمائية وهي البندقية وكان.
أما الجوائز الكبرى التالية فقد نالتها ثلاثة أفلام من إنتاج شبكة البث الالكتروني «نتفليكس» التي شاركت في المنافسة الرسمية، وهي جائزة الحكام الكبرى لفيلم الإيطالي بول سارانتينو «يد الله» حيث يتناول المخرج تجربته كفتى في الثمانينيات عندما كانت بلده مسحورة بلاعب كرة القدم الأرجنتيني العالمي دييغو ارماندو مارادونا.
بينما حصدت مخرجة فيلم «قوة الكلب» وهي الأسترالية جين كامبيون جائزة الأسد الفضي لأفضل مخرج.
ونالت مخرجة فيلم «آخر إبنة» وهي الأمريكية ماغي جيلينهول جائزة أفضل سيناريو.
وأصبحت عادة مؤخرا أن تهيمن الأفلام التي تفوز بجوائز المنافسة الرئيسية في مهرجان البندقية على أهم الجوائز السينمائية في المهرجانات أو في هوليوود، وكثيراً ما تحقق ترشيحات لجوائز الأوسكار وأحياناً تفوز بها، مثلما حصل العام الماضي عندما حصد فيلم الصينية كولي تشاو، نومادلاند، الذي فاز بالأسد الذهبي، أهم جوائز الأوسكار من ضمنها أفضل فيلم.
وذلك يعني أن أفلام «نتفليكس» التي واجهت انتقادات لاذعة في الماضي ووصفت بأنها ليست سينمائية، لأنها لا تعرض في قاعات السينما، سوف تهيمن على جوائز الأوسكار، وربما تثير الجدل مرة أخرى حول تعريف السينما وعواقب ذلك على جوائز الأوسكار.

عيون النساء على الأوسكار

لكن الأهم من ذلك هو بروز النساء مرة أخرى في جوائز مهرجانات مثل «البندقية» بعد بروزهن في مهرجان «» الفرنسي، رغم أن نسبة أفلامهن كانت ضئيلة بين الأفلام المنافسة، وذلك يعني أن جودة أفلام النساء صارت تفوق أفلام الرجال وهو ما يشير إلى أن أفلامهن ستبرز مجدداً في جوائز الأوسكار وربما تفوز بالجائزة الكبرى امراة للعام الثاني على التوالي.
تلك الأفلام الفائزة سوف تواجه أفلاماً أخرى في معارك الجوائز الهوليوودية والأوسكار وتحديداً الأفلام التي عرضت في المهرجان خارج المنافسة مثل فيلم نسائي آخر من المخرج البريطاني العريق ريدلي سكوت وهو «المبارزة الأخيرة» الذي عرض في اليوم الأخير من المهرجان وأشعل رواده بحضور نجومه بن أفليك، الذي حضر مع حبيبته الشهيرة جينيفر لوبز، ومات ديمون والبريطانية جودي كومر.
تدور أحداث «المبارزة الأخيرة» في العصور الوسطى في فرنسا ويتمحور حول صراع بين فارسين يحتدم بينهما بعد اتهام أحدهما باغتصاب زوجة الآخر، بينما كان يخوض حرباً في اسكتلندا. ومع غياب دليل قاطع لإثبات التهمة، يترك الملك الحكم بيد الله ويأمر بمبارزة بينهما حتى يموت المذنب.
شارك في كتابة نص الفيلم أفليك وديمون والمخرجة نيكول هولفيسنير. وبينما كتب أفليك وديمون نص السيناريو لوجهة نظر الفارسين كتبت هولفيسنير وجهة نظر الزوجة. وهذا يعني أن قصة الفيلم تطرح ثلاث مرات بأسلوب راشومون، ويستحضر قضايا نسائية معاصرة وتحديداً التستر على الاغتصاب. كما يحمل سمات أفلام سكوت الأخرى: الطرح الملحمي، والمرئيات الآسرة، والأداءات البارعة والسرد التشويقي والمشاهد القتالية الحابسة للأنفاس. وقد يكون أفضل فيلم تاريخي قدمه سكوت منذ «غلادياتور» عام الفين. ومع ذلك تباينت آراء النقاد حول جودته.
وفي منافسة آفاق الموازية للمنافسة الرئيسية، التي شارك فيها فيلم المصري محمد دياب «أميرة» حصد الفيلم الليثواني «حاج» جائزة أفضل فيلم، بينما نال فيلم البوليفي كيرو روسو «الحركة العظيمة» جائزة الحكام. بينما ذهبت جائزة جمهور منافسة «آفاق اكسترا» التي أسسها المهرجان هذا العام ويصوت عليها الجمهور عوضاً عن الحكام، لفيلم الفنلندي تيمو نيكي «الأعمى الذي لم يرد أن يرى تايتانيك».

عروض عربية

وقد شارك في تلك المنافسة فيلم اللبنانية مونيا عقل «كوستا برافا» الذي يتمحور حول عائلة تعيش في الجبال اللبنانية بعيدا عن بيروت الملوثة، تنقلب حياتها المثالية رأساً على عقب عندما تبني الحكومة مكب نفايات بجانب بيتهم. وتشتعل الخلافات بين رب العائلة (صالح بكري) الذي يريد البقاء في البيت منعزلاً عن المجتمع، وأمه التي ترحب بعمال النفايات، وزوجته (نادين لبكي) المطربة الشهيرة التي تحن للغناء، وابنته المراهقة، التي تكتشف أنوثتها وتحاول الارتباط رومانسياً مع مهندس المكب وطفلته التي تعاني من الكوابيس. البيت في الفيلم يبدو استعارة للبنان، ساحر بجماله لكن أهله يحلمون بتركه. حتى رب العائلة، الذي يصر في البداية على التمسك بالبيت يستسلم بالنهاية عندما تتركه زوجته وابنته مع طفلته، ويلحقهما. وفي تظاهرة أيام البندقية، التي نظمت على هامش المهرجان، عُرض في الأسبوع الثاني فيلم الأمريكية – المصرية دينا عامر «أنت تشبهينني» حيث تسبر شخصية حسنة بو الحسن، التي لقيت حتفها مع منفذي هجمات باريس عام ألفين وخمسة عشر في انفجار انتحاري عندما داهمتهم الشرطة في حي باريسي.
الفيلم يتابع حسنة منذ طفولتها عندما فُصلت عن أختها مروراً بانزلاقها بعد بلوغها إلى الدعارة وفشلها في الحصول على وظيفة ونبذ المجتمع لها، حتى وقوعها في فخ أبن عمها المنتمي إلى تنظيم مايعرف بالدولة الإسلامية.
الفيلم أثار الجدل واتهمه البعض بأنسنة الإرهابيين وتبرير جرائمهم.
وقد رفض مهرجان كان عرضه في دورته الأخيرة، بينما منعت السلطات المصرية مهرجاني الجونة والقاهرة من ضمه في دورتيهما المقبلتين. لكن عامر أصرت أن الفيلم لا يبرر الإرهاب وإنما يحاول أن يفهم كيف انزلق هؤلاء الأشخاص في درب التطرف والإرهاب. لكن فيلماً آخر يتناول قصة فتاة مغربية تبحث عن هويتها في جنوب إيطاليا وهو «كاليفورني» للمخرجين اليساندرو كاسيغولي وكيسي كاوفمان، نال جائزتي أفضل فيلم أوروبي وأفضل سيناريو. بينما ذهبت جائزة الجمهور الكبرى للفيلم البرازيلي ديزيرتو بارتيكولار.
وفي عروض فئة «أيام البندقية الإضافية» خارج المنافسة عرض فيلم المنسيون للمخرجة الفرنسية الإسرائيلية أو اليهودية العربية ميخال بوغانيم، التي تكشف عن التمييز العنصري التي واجهه اليهود الشرقيون أو اليهود العرب في إسرائيل منذ جلبهم إلى هناك وتأسيس والدها وزملائه حركة «الفهود السود» التي تعاونت مع حركات فلسطينية، للمطالبة بالمساواة في بداية السبعينيات.
وفي حديث معها قالت إن اليهود الأوروبيين حطوا من قيمة ثقافة وحضارة اليهود العرب عبر السنين وجعلوهم يخجلون بها، لكن الأجيال الجديدة تحاول أن تغير ذلك وأن تعيد مجد حضارة أجدادها العربية من خلال صنع أفلام عربية وأداء أغان عربية.
بلا شك أن مهرجان البندقية حقق نجاحا هائلا، ورغم المخاوف من وباء كورونا فقد حضره أكثر من تسعة آلاف شخص، وهو ما يقارب ثلثي نسبة حضور ما قبل الوباء، وعقدت الحفلات والمؤتمرات الصحافية واكتظت المطاعم بالزوار، ولم يصب أحد بالفيروس وذلك بفضل الإجراءات الصحية المشددة. لكن لكل نجاح ثمن، فمزيج الحضور القوي وخفض طاقة دور العرض الاستيعابية لخمسين في المئة حرم بعض رواد المهرجان من مشاهدة أفلامه. لكن هناك فرصا كثيرة لمشاهدة هذه الأفلام في الأشهر المقبلة في مهرجانات أخرى، ومنها العربية مثل المصريين «الجونة» و»القاهرة» والسعودي «البحر الأحمر».