استقلت أو لم تستقل لا فرق أبدا
ماهر أبو طير
لدينا حكومات رائعة، تستحق التخليد عبر حفر الوجوه والاسماء على الآثار الرومانية والنبطية في هذه البلاد، التي تسير برحمة الله فقط، لا بذكاء هذا، ولا عبقرية ذاك.
ألا تلاحظون انه كلما تحدث المواطن عن وضعه السلبي، قيل له احمد ربك، وتتم مقارنتك بدول منهارة، حتى تسكت، واذا تحدثت عن الوضع الجيد في دول مختلفة، تنعكس الموجة ويقولون لك، ان بلادنا مدينة، واليد قصيرة، والعين بصيرة، ولا مال بين أيدينا.
وزير الصحة وهو الجديد في موقعه، يخرج ليقول ان الأخطاء الطبية تحدث في كل مكان في دول العالم، وكلامه في سياق شرحه لخلفيات قصة الطفلة لين، التي رحلت جراء البطء، وتناقض التشخيص وضياع الوقت، في مستشفى البشير، وإن كانت هناك لجان وإجراءات مختلفة، إلا أن الوزير قال إن الأخطاء الطبية تحدث في كل مكان في العالم، وهذا يعني أن الأردن تحدث به أخطاء طبية، وعليك ألا تغضب، فأنت مثل الاميركيين والبريطانيين، وغيرهم من شعوب متطورة يتم ارسالك الى الجنة، بخطأ طبي، وعليك ان تكون فخورا.
لم يجد الوزير أي سبب ليقارن الأردن بكل دول العالم، من زاوية الإيجابيات، اذ ليته قارن الأردن مثلا بمستوى الخدمات الطبية المتطور في بعض الدول، لكنه استدعى المقارنة فقط عند كارثة رحيل الطفلة لين، وحاله حال كل المسؤولين الحكوميين، فهم لا يقارنون الأردن بدول العالم الا في حالات الخراب، اما المقارنات في حالات التطور والازدهار والنمو والتعليم، يصيبهم السكوت، وكأنه قضاء وقدر تنزّل عليهم، من حيث لا يحتسبون في هذه البلاد.
وزير الصحة ومن اجل تعميم الفائدة حول ان ملف الأخطاء الطبية ليس حكرا على عهده، وهذا صحيح بالمناسبة، كشف امام النواب يوم امس عن وجود 300 قضية منظورة لدى القضاء حاليا من خلال قانون المسؤولية الطبية، وهو يريد ان يقول ضمنيا، ان هناك مشكلة كبيرة، قبل زمنه، وان الأخطاء الطبية لم تستجد في زمنه فقط، وكلامه صحيح، لكنه لا يعفي الكل من المسؤولية، لأن الهروب نحو اتهام عهود سابقة فقط، ليس مخرج نجاة.
نحن اليوم نعيد التذكير بحالات وفاة لأطفال أيضا تحدث في مواقع عدة، مثل الطفلة غنى، التي رحلت بسبب انفجار الزائدة الدودية، أيضا، والله وحده يعلم كم حالة تتضرر او تخسر حياتها بسبب الأخطاء الطبية المستترة، دون ان يعلم احد عنها، ودون ان يفطن احد اليها.
علينا ان نذهب الى صلب الموضوع، حتى لا تبقى القصة، بمثابة تصفية حسابات مع هذا الوزير، او ذاك، هي مشكلة تردي القطاع الطبي الحكومي، لدينا قطاع يعاني من مشاكل مالية وإدارية وفوضى، وبطء في الإجراءات، ويكفي ان تذهب الى قسم طوارئ في مستشفى حكومي لتكتشف بنفسك الوجوه العابسة، والنفسيات المرهقة، وحجم الملل لدى الكوادر الطبية، التي تتأفف من حياتها، ومن الضغط عليها، ومن كل ظروف المهن التي يعملون فيها، إداريا وماليا، وظروف المستشفيات ذاتها، والضغط على الأجهزة الطبية، وعلى الفحوصات.
اذا كان وزير الصحة يريد ان يعمل معروفا في هذه البلاد، فليشرب حليب السباع، وليخرج أولا بتقرير تفصيلي عن وضع الخدمات الصحية في كل القطاع الحكومي، وليقل علنا ماذا ينقص هذا القطاع، ولماذا فقد لياقته، وأين هي الحلول، وهذا ليس من باب ابراء الذمة وحسب، بل من باب تذكير الدولة، بكوننا فرطنا بأهم قطاعين حكوميين لدينا، الصحة والتعليم، حيث تراجع مستواهما الى حد كبير، خصوصا، مع تزايد عدد السكان، حيث اصبح الحمل ثقيلا، وليقم ثانيا بإعادة تنظيم اقسام الطوارئ، خصوصا، لتعود الى فاعليتها، بدلا مما هي فيه، وهو امر يمكن للوزير ان يلمسه اذا زار هذه الأقسام سرا او علنا، برغم ان الوزير في الأساس يعرف كل شيء، وليس بحاجة الى زيارات من هذا القبيل، فأصل البلاء في الطوارئ.
اذا لم يتم حل مشاكل القطاع الصحي جذريا، فسوف يستقيل وزير صحة، كل شهر، تحت وطأة المسؤولية، وسواء استقال الوزير او لم يستقل، فلا فرق ابدا، لأن المشكلة قائمة، ولا احد يسعى لحلها جذريا، عبر فتح كل ملف الصحة في الأردن، بكل تفاصيله وأسراره أيضا.