قراءة أولية في الحالة الأفغانية
عميد (م) ممدوح سليمان العامري
لم تكن سيطرة حركة طالبان على أفغانستان وعاصمتها كابول بسبب قوتها العسكرية أو ما يطلق عليه القوة الصلبة أو القوة الخشنة فقط وإنما بسبب استخدامها للقوة الناعمة والعمليات النفسية المستمرة مما أدى إلى استسلام القوات النظامية وأجهزة الأمن الأفغانية والمسؤولين الحكوميين دون أدنى مقاومة، فالقوة الناعمة تقوم على الإقناع الخفي والتأثير في الآخرين فكرياً وثقافياً وعقلياً وأخلاقياً وإلكترونياً واقتصادياً أيضاً، أما القوة الصلبة أو الخشنة فتحقق أهدافها بالتهديد والوعيد وقوة السلاح والضغوط السياسية المعزَّزة بالقوة العسكرية والسلاح والقروض والمِنَح وفرض الشروط والعقوبات الاقتصادية.
يرى صن تزو في كتابه "فن الحرب” 500 ق. م : "أن الحرب مسألة خطيرة للدولة، إنها ميدان الحياة والموت، وهي الطريق الذي يؤدي الى العيش أو الفناء، لذلك من المستحيل عدم دراستها بعمق!”.
كما يرى أنه في حالة الصراع المسلح، على الرجل الارتكاز على عاملين حاسمين هما: ملكة العقل والفضيلة، لأنهما إذا استخدما بشكل صحيح يؤديان الى النصر. ولذلك لا يجب التعامل مع الحرب بخفةٍ وتهوّر، إنما يجب استباقها بإجراءات تؤدي الى تسهيل تحقيق النصر.
لهذا لجأت طالبان الى استخدام الضغوط المستمرة والترهيب تارة والترغيب تارة أخرى لإرغام عناصر ومسؤولين في الجيش والحكومة على الاستسلام، حيث مزجت الحركة التهديدات والتحفيزات بالدعاية والحرب النفسية عندما استولت على مدينة تلو الأخرى بعضها بالكاد أطلقت فيها رصاصة واحدة، حتى استولت في النهاية على العاصمة كابول.
كان استخدام طالبان للقوة الناعمة وراء تداعي مدن وبلدات عديدة في غضون أيام، حيث قامت الحركة بالتواصل مع القادة والمسؤولين والنافذين بالحكومة عبر أصدقائهم والمؤثرين عليهم من أجل هروبهم أو انشقاقهم وتغيير ولائهم وانضمامهم للحركة.
كانت القوات الأفغانية تبدو جاهزة ومستعدة على الورق فقط، فوجود أكثر من 300 ألف عنصر وتجهيزات ومعدات عسكرية بمليارات الدولارات وعدة وعتاد أكثر تقدما بكثير من ذلك الذي تملكه طالبان، كل ذلك لم يكن كافيا لإقناع هذه القوات لمقاومة حركة طالبان أو حتى مفاوضتها.
السؤال المهم هنا هو لماذا فضلت القوات الأفغانية الحكومية الاستسلام والتسليم لطالبان وبهذه السرعة؟
لم تكن هزيمة القوات الحكومية الأفغانية بسبب ضعف في التسليح او التدريب أو توفر القوى البشرية او المعدات العسكرية اللازمة، بل كانت بسبب "الفساد وعدم وجود عقيدة عسكرية واضحة”. القوات الحكومية كانت فاسدة ولم تؤسس على عقيدة عسكرية ثابتة وواضحة ومعروفة للجندي قبل الضابط الذي يخدم في صفوفها، لذلك حصل الفراغ العسكري مباشرة بعد انسحاب الولايات المتحدة بسبب اعتماد هذه القوات على الدعم العسكري الأميركي بشكل كامل، ومع انسحاب الولايات المتحدة استسلمت القوات الأفغانية وسلمت مواقعها وأسلحتها مباشرة.
ومع انسحاب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لم يعد لدى طالبان أي مخاوف بشأن القوة الجوية الأميركية في أفغانستان، أضف الى ذلك ان حرب الجبال لطالما كانت ميزة لمقاتلي طالبان، فبالنسبة لهم، فإن القوات العسكرية الحكومية الأفغانية دون دعم من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أصبحت هدفا وصيدا سهلا.
*مدير التوجيه المعنوي / الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة الأردنية سابقاً