الطب.. الاخلاق أولا
فارس الحباشنة
وانا اسمع ما يقال عن النظام الصحي في الاردن، والجدل الاخير المتفاعل المؤلم والحزين حول وفاة طفلة البشير، والتحقيق في اخطاء طبية اخرى في مستشفيات حكومية.
اسمحوا لي ان اروي لكم عن واقعة مرضية حصلت معي في التوجيهي، ولربما كانت اول مرة ادخل مستشفى. وقضيت اسبوعا كاملا، وانا اراجع طوارىء مستشفى الكرك، والالام التهمت جسدي.. وقطعتني عن الدراسة، وخربطت حياتي، وكنت اصحى يوميا على الم شديد في البطن والمعدة، وفي المساء اذهب الى المستشفى، واخذ ابرة مخدر ومسكن واعود الى البيت، وانام طريحا من شدة الام والوجع، وفي الصباح التالي اصحي على ذات الحال المؤلم والموجع.
سكن المرض جسدي اسبوعا، وذقت قسوة ومرارة الالام والوجع، وحتى اليوم ما زال ذلك الاحساس لا يغادر خيالي، ويذكرني بقوة الوعظ والتأنيب لشكر الله على نعمة الصحة والعافية والشفاء.
ومن بعد اسبوع، وبما حلمت ايامه الثقيلة والعنيفة على الجسد والروح. واذكر في يوم الخميس اشتد علي الالام والوجع لحد غير مسبوق، وسقطت ارضا من شدة الارهاق، وابرة المسكن والمخدر التي اخذت سبعا منها، ما عادت تجدي نفعا، ولا تسكن الالام، وتطفىء نيران الاوجاع في جسدي العليل.
وفي المساء ذات اليوم اسعفوني الى المستشفى، وانا ما بين الحياة والموت، وادخلوني الى قسم الطوارىء، وحضرت ممرضة لاعطائي ابرة مسكن ومخدر، ومن شدة الالام، قمت بكسر الابرة ورميها، ورفضت اخذها، وطلبت ان يجلب طيبيا يكشف ويفحص ويشخص ما يصيبني.
وفي الاثناء كان مدير المستشفى يجول في اقسام المستشفى وسمع صراخا وصوتا عال، ودخل الى غرفة الطوارىء واقترب من سريري، وسأل الممرض/ة ما هي حالة هذا المريض الصحية؟ ومن شدة الالام والوجع قلت لمدير المستشفى صارخا اسمع لي انا يا دكتور.. ورويت له معاناتي من اسبوع، وكم مرة راجعت الطوارىء، ومسك الطبيب السماعة ووضعها على بطني، وامسك بيده على مواطن الالام، وطلب على الفور اجراء فحصي بول ودم، ودخلت الى الحمام لاخذ عينة بول، وعندما رأى الطبيب العينة امر على الفور ادخالي الى غرفة العمليات لارجاء جراحة للزائدة الدودية.
اجريت العملية، واستغرقت 3 ساعات، وجرح العملية ما زال موشوما على جسدي طوله حوالي 12 سم. وجاء في التشخيص الطبي ان الزائدة على وشك الانفجار، ولولا مشيئة الله، وصدفة تجوال مدير المستشفى تلك الليلة على الاقسام، وسماعه لصراخي، لكنت ذهبت ضحية رخصية لاهمال وعبث طبي.
ولو ان «عملية الزائدة» اجريت لي في اليومين الاول والثاني من مراجعتي المستشفى فان جرحها لا يزيد عن 3 سم، وان العملية لا تحتاج الى اكثر من 45 دقيقة لاجرائها. وهذا الكلام تحققت منه موضوعيا بعدما خرجت من المستشفى وسألت اطباء ومختصين جراحة وباطنية.
قرأت في الايام الماضية مطالعات واطروحات صاخبة وواسعة عن النظام الصحي والاخطاء الطبية، وشدة السجال حولهما. في الحقيقة بعيدا عن التنظير الطبي تسمع عن قصص كثيرة تثير الغضب والقلق في القطاع الصحي، سواء الحكومي او الخاص.
مهنة الطب ابعد ان ينظمها قانون وبرتوكول، وتشريعات رادعة وصارمة، ووزير صحي ومدير مستشفى قوي او ضعيف او متردد. هناك شيء في مهنة الطب يجب ان يكون قاموس ودليل الطبيب، وهو الاخلاق والانسانية.. وكم من اطباء رسخوا هذه القيم والابعاد في مهنة الطب، ويتعاطون مع المرضى والمهنة الطب من جانب انساني واخلاقي بحت.
ودون مبالغة.. صدقوني ازمة القطاع الطبي قديمة، وانسانية واخلاقية صرفة. ابن سينا «امير الاطباء» في كتابيه المهمين: «قانون في الطب» وكتاب «الشفاء»، افرد فصولا عن اخلاق الطب والعلوم. ومنظمة اليونيسكو اطلقت جائزة باسم ابن سينا تمنح الى افراد ومجموعات مرة كل سنتين لمكافأتهم على الانشطة التي يمارسونها في مجال اخلاقيات الطب والعلوم.
نحتاج اليوم اكثر لحماية مهنة الطب اخلاقيا وانسانيا، ونحتاج الى تحصين الطبيب بالقيم والاخلاق. لربما يكون الطبيب والممرض بمظهر يوحي بالتدين والتزام، ولكن هذا غير كاف، والدليل والبرهان كثير من الاخفاقات والتشوهات والاخطاء التي ترتكب واصلها واساسها وسبب وقوعها في احيان كثيرة ليس نقص امكانات ولا اكتظاظ وعجقة «مراجعين مرضى»، ولكن بقدر ما هو اخلاقي وانساني.
ولو ان هناك اجهزة تفحص الضمائر والاخلاق قبل ان يعين الطبيب والممرض، وقبل ان يمسك السماعة ومقص الجراحة وابرة التخدير، وصرف روشتات علاجية.
الطب ام المهن الانسانية، ومن هذه المهنة اطباء عبروا الى وجد وقلوب الناس، طاعة وحبا ورضا، وتفاني وطني وانساني في اغاثة واعانة الفقير والضعيف والمهمش قبل مريض مدعوم بواسطة ومريض متنفذ، ومريض غني.