السودان: جدل حول إمكانية تنفيذ انقلاب

حذرت قيادات سياسية ووسائل إعلام من مغبة انقلاب عسكري ينفذه الجيش على المدنيين في السودان، فيما قال عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان، إن أي محاولة لإحداث تعديل في المعادلة السياسية، لكسب نقاط، يفتح الباب أمام احتمالات محفوفة بالمخاطر، فيما اعتبر ضابط رفيع في الجيش أن بعض القوى المدنية تحاول الهروب للأمام بتسويق أن العسكريين يريدون الانقلاب على القوى المدنية لكسب تعاطف الشارع.
وقال عضو المجلس السيادي السوداني، الرئيس المناوب للجنة إزالة التمكين، محمد الفكي سليمان، إن «المرحلة الانتقالية، أصبحت، مهددة من خلال النشاط المتزايد لفلول الحزب المحلول من داخل وخارج أجهزة الدولة خلال الفترة الأخيرة، وفتح الباب للطامعين والمغامرين لتعديل المعادلة السياسية للفترة الانتقالية، والتي صيغت بصعوبة بالغة، وهناك ضرورة للجم هذه التحركات».

«محفوفة بالمخاطر»

وأضاف، في افتتاح ورشة «الممارسات الدولية الفضلى في الفحص المؤسسي» والتي نظمها مجلس الوزراء بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة في السودان وحضرتها قيادات حكومية ودبلوماسيون: «أي محاولة لإحداث تعديل في المعادلة السياسية لكسب نقاط لأي طرف دون حوار يفتح الباب أمام احتمالات محفوفة بالمخاطر، تضيّع كل الجهد الذي بذل خلال العامين الماضيين».
وتعليقا، على أنباء حول نية الجيش تنفيذ انقلاب، كتب ياسر عرمان مستشار رئيس الحكومة السياسي على صفحته الشخصية على فيسبوك : «الأجهزة الخاصة والفرق الخاصة، لا تجلب انتصاراً، فهي مثل طوابير أمل دنقل، التي تهتف لها النساء في الشرفات، لكنها لا تجلب انتصارا، وكل من يفكر في انقلاب فإنه يخطئ الحقائق والزمن، ولديه مصاعب في إدراك وقائع سودان اليوم، وإذا ما عاد الفريق إبراهيم عبود، والمشير جعفر نميري، عليهما رحمة الله، وربما المشير الموجود في الضِّفة الأخرى من النهر، فإنهم سوف يُقِرُّون، لا سيِّما عبود ونميري بأن الزمن الحالي ليس هو تشرين الثاني/نوفمبر 1958 ولا أيار/مايو 1969، أو حزيران/يونيو 1989 فالدولة ليست هي الدولة «والسلاح على قفا من يشيل» والمجتمع محتقن لدرجة الغليان، والإقليم ليس هو الإقليم، من ليبيا إلى الصومال مروراً بإثيوبيا، وما بالك بالإقليم البعيد، من مالي إلى اليمن والعراق، ولا تفوتك بوكو حرام ». وتابع: «ثورة ديسمبر والديسمبريون عصيِّان على التركيع والتجويع والتخويف والانفلات الأمني، وقطع الطُرُق والموانئ والبترول، وما حكّ جلدُكَ مثل الجماهير وإن الشعب يفعل ما يريد، والله مع الفقراء، وعلى شعبنا أن يصل إلى مرافئ الديموقراطية والانتقال المدني والسودان الجديد، وعلى المصادر أن تمتنع عن التصريح والنفي، فالانقلاب يظل فكرة مستحيلة، حتى وأن تم تنفيذها، وكما أن الانقلاب فكرة، فإن كشّة والسنهوري وسارة عبد الباقي فكرة أخرى، تفوق قوة الانقلاب ومُضادة له في الاتجاه».
وأوضح «الانقلاب إن وُجد، كما صاح مرفعين المصدر، فإنه يضر بالسودان أولاً، وهو في هذه الحالة لا يحتاج إلى موسيقى عسكرية، بل يحتاج إلى تغيير الحكومة، وإلى حكومة تابعة، وحاضنة سياسية أكثر تبعيةً، ومصالحة منفتحة على فلول ومجرمي النظام السابق، وكما أن الانقلاب لا يحتاج إلى موسيقى عسكرية من إذاعة أمدرمان، فإن الثورة أيضاً ستستمر وستكون مُتلفزة، وعند كل شارعٍ وقرية لجنةٌ للمقاومة، وطريق جهنم أن تختار طريقاً لا يمشيه الشعب والمجدُ للشعب ولنعمل لوحدة قوى الثورة والتغيير».

حق يراد به باطل

صحيفة الديمقراطي، القريبة من مجلس الوزراء، ربطت بين الانقلاب وما يحدث في شرق السودان. وقالت، في افتتاحيتها أمس الاثنين التي أتت بعنوان (النقاط على الحروف… ما وراء الانفلات وإغلاق الطريق القومي) «هؤلاء الانقلابيون يعتقدون أن الشعب مجموعة من الهُبل، ذلك أنه ما من أحد إلا أهبل يصدق بأن الناظر ترك يجرؤ على قطع الطريق القومي بدون إشارة خضراء من الفريق البرهان، والناظر ترك تحديداً، وبحكم كونه أحد أزلام النظام البائد، لا يستطيع أن يتغطى حتى بكلمات الحق التي يراد بها باطل، وكلمة الحق أن شرق السودان مظلوم، سواء في نصيبه من السلطة أو الثروة أو القيم الرمزية، ولكن الناظر وأمثاله ظلوا في الشرق عطشان وجوعان تفتك به الأمراض لثلاثين عاماً ولم يفتح الله عليهم بتحرك احتجاجي واحد، دع عنك أن يقطعوا الطريق القومي».
وتابعت «ثم أن الناظر متواضع القدرات والمواهب، لذا لم يستطع تمويه أجندته، فوضعها على بلاطة: حل الحكومة المدنية، وإعطاء السلطة كاملة لمجلس عسكري يمثل الأقاليم، ليضمن تمثيل الثلاثي (البرهان، الكباشي، حميدتي) فاضحاً أن الانقلاب الزاحف حالياً ليس انقلاباً تقليدياً وإنما تغول جذري ونهائي على الصيغة المدنية القائمة خصوصاً على رئيسها عبدالله حمدوك واستبدالهم بمدنيين أراجوزات على مقاس السيطرة العسكرية الأمنية المطلقة، وذلك لأن الانقلاب الزاحف وإن كان شراكة مع فلول النظام البائد إنما يتولى كبره الطامعون في القيادة العسكرية الرسمية».

رئيس لجنة إزالة التمكين يحذر من أي محاولة لإحداث تعديل في المعادلة السياسية

وأضافت الصحيفة، في افتتاحيتها «حكومتنا المدنية ملامة، ليس لأنها سبب الخراب والأزمات، ولكن لأنها ضعيفة ومترددة، وفي المقابل فإن الانقلابيين جذر الكوارث، فهم الذين يسعون بكل جهدهم لخنق البلاد وتجويعها كي يطأطئ الشعب رؤوسه فيضعون أحذيتهم فوقها، هم الذين يرفضون الإصلاح الأمني العسكري لأنهم يريدون وراثة نظام الإنقاذ لا تغييره ولذلك هم وأزلامهم وراء قسمة الموارد الضيزى، ووراء تهريب الذهب مصدر العملة الصعبة خصما على استيراد احتياجات البلاد الحيوية، ووراء عرقلة دولاب الدولة وانسداد شبكات توزيع سلع الاستهلاك الشعبي. وفي مواجهة كل ذلك فإن الحكومة المدنية تتشكى بدلاً عن أن تقاوم وتواجه مسنودة بالملايين من جماهير الثورة الواعية التي أثبتت بتضحياتها بل وبدمائها الزكية الطاهرة انها على قدر تحدي الانتقال الصعب والمعقد الى دولة مدنية ديمقراطية حديثة».

هروب للأمام

في الموازاة، قال ضابط برتبة رفيعة في الجيش لـ«القدس العربي»: «ليس هناك انقلاب ولا يحزنون، وليس هناك عاقل يفكر بهذا، ولكن المشكلة بعض القوى المدنية تحاول الهروب للأمام بتسويق أن العسكرين يريدون الانقلاب على القوى المدنية، لكسب تعاطف الشارع وتجميعه خلفها باعتبار أن الجيش هو «الحيطة القصيرة في ظل فشل يلازم الحكومة وانحسار الدعم الشعبي عنها».
وأضاف، مفضلا حجب هويته، «شركاؤنا من المدنيين بدل أن يعملوا على تغذية روح العمل الجماعي لتخرج البلاد لبر الأمان والانتخابات يقومون باتهام الجيش وقيادته لأنهم عاجزون عن تيسير حياة المواطنين والقيام بواجبهم كحكومة مسؤولة وهم يعلمون أنهم فشلوا في توفير الخدمات من صحة، وحال المستشفيات لا يُخفى على أحد، والتعليم متدن، والطرق صارت سيئة».
وتابع: «نحن آمنا بالتغيير، وأحلنا مئات الضباط للمعاش، لتحويل الجيش إلى مؤسسة قومية وماضين في إصلاح مؤسستنا، ونعمل مع جيوش العالم بعد انقطاع لشراكات منتجة، عليك أن تسألهم بعد عامين، ماذا فعلوا لبناء دولة عصرية غير الكلام والشكوى».
وزاد: «الجيش يعلم المخاطر التي تهدد وجود السودان من سلاح يملأ البلد وحدود مضطربة في ليبيا وافريقيا الوسطى وجنوب السودان وحرب مع إثيوبيا، ونحن مشغولون بهذه المخاطر وندفع ثمنا غاليا من سمعتنا من شركائنا الذين لا يكفون عن اتهامنا، ومع ذلك لن ننقلب على المدنية، وكل هذه الضجة لأننا طالبناهم في الأسابيع الماضية بتكوين مفوضية الانتخابات، والتعداد السكاني، والبدء في كتابة الدستور، لأن الانتخابات يفترض أن تكون خلال عام ونصف فقط، لذا، هم عملوا الضجة هذه ولن ننقلب عليهم ولن نتراجع عن عقد الانتخابات في موعدها وتسليم السلطة للشعب».
في وقت لم يستبعد القيادي في قوى «الحرية والتغيير» المهندس عادل خلف الله وجود علاقة بين حالة الانفلات الأمني التي تشهدها ولاية الخرطوم وعدد من ولايات البلاد، واقتراب موعد انتقال رئاسة مجلس السيادة، إلى المدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بعد انتهاء أجل فترة المكون العسكري. وقال خلف الله في تصريح لصحيفة «الجريدة»: «قوى الردة والفلول كعنوان لقوى إعاقة الانتقال السلمي، وإفشال الفترة الانتقالية، لن تتوانى في استغلال هذه اللحظة المفصلية من عمر الفترة الانتقالية، لتنفيذ مخططها الرجعي، وكما أفشلت وحدة قوى الانتفاضة والتغيير، تعدد أدوات مخطط الفلول في السابق، والتي كان آخرها بالانقلاب المتزامن مع تخليد ذكرى 30 يونيو/حزيران، ستقطع الطريق عليها هذه المرة أيضا، سيما، وقد تعمق وعيها ومعرفتها بكافة أدوات قوى الردة الاقتصادية والسياسية والإعلامية والأمنية، كما تمرست على التغلب على الصعاب بوعيها ووحدتها وبتصميمها، وبالمزاوجة ما بين الحكمة والمبدئية لإنجاز مهام الانتقال».
وفي رده على سؤال حول طريقة اختيار رئيس لمجلس السيادة من المكون المدني قال خلف الله: «من المأمول، أن يشهد شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، انتقال رئاسة مجلس السيادة بعد انقضاء أجل فترة المكون العسكري (الفريق عبد الفتاح البرهان) إلى من يتوافق عليه المدنيون داخل المجلس، حسب الشراكة التي حددتها الوثيقة الدستورية».
وأوضح أن «الخطوة الأولى، توافق مدنيي مجلس السيادة على من يمثلهم في رئاسة مجلس السيادة خلال المدة المتبقية من الفترة الانتقالية، وعرضه على المكون العسكري لاستكمال اجراءات الانتقال باجتماع مجلس السيادة بكامل هيئته وإعلان نتيجة الانتقال».
واعتبر أنها «خطوة تختبر أصالة معدن الشراكة من خلال الحرص على الاستقرار والحفاظ على وحدة البلاد وسيادته».
القدس العربي