في اليوم العالمي للزهايمر: حتى لو نسيت أمي أنني ابنتها .. فلن أنسى أنها أمي
إخلاص القاضي - "حتى لو نسيت أمي أنني ابنتها، فلن أنسى أبدا أنها أمي"، بهذه العبارة الممزوجة بالحزن العميق، تُلخّص الخمسينية سناء استعدادها المُطلق لخدمة ورعاية والدتها الثمانينية التي تسلل اليها مرض "ألزهايمر" على غفلة من العمر العتي، فتمكّن من ذاكرتها المكتنزة ثقافة وحكمة، " أما أنا فنذرت بقية عمري لما تبقى من عمرها المجبول بالصبر والتضحية"، على ما تقوله سناء، لوكالة الانباء الاردنية (بترا).
وبعينين تشقهما الحسرة، تبكي الأربعينية راغدة، على والدها الذي لم يعد يتذكرها، ولا يلحظ وجودها حتى، محاولة إنعاش ذاكرته بقصص وذكريات الماضي، "ولكني عبثا أفعل"، بحسب تعبيرها.
وعلى المقلب الآخر، يستشيط الخمسيني سامي غضبا من جراء تكرار والده المصاب ب "ألزهايمر" للأسئلة ذاتها، بينما ترد عليه شقيقته بوابل من أسئلة، ومنها: ألا تتذكر كم من المرات كنت تنسى حفظ دروسك، وأغراضك بالمدرسة، وترتيب سريرك؟! الا تتذكر كيف كان والدنا يتغاضى عن كل ذلك، بل ويسرف في دلالنا؟ مُستشهدة بما جاء في محكم التنزيل:"وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا".
الخرف، هذا المرض الذي يأتي على ذكريات كبارنا واستقلاليتهم، يحتفل به العالم في الحادي والعشرين من شهر أيلول من كل عام، هو"نتاج لمجموعة متنوعة من الأمراض والإصابات التي تؤثر على الدماغ، مثل مرض ألزهايمر أو السكتة"، وهو "يؤثر على الذاكرة وسائر الوظائف الإدراكية والقدرة على أداء المهام اليومية"، وفقا لمنظمة الصحة العالمية، التي تشير عبر موقعها الالكتروني إلى وجود 50 مليون شخص حول العالم، يعانون من الخرف، 81 بالمائة منهم، من النساء، و5.4 بالمائة من الرجال، فوق سن 65 عاما.
وتوضح" أن عدد المصابين به إلى ارتفاع، ومن الممكن أن يصل ل 78 مليونا بحلول عام 2030 وإلى 139 مليونا بحلول عام 2050. وتشير تقديرات المنظمة الأممية عينها، إلى أن التكلفة العالمية للخرف ناهزت 3ر1 تريليون دولار عام 2019، ويتوقع أن ترتفع إلى 7ر1 تريليون دولار، بحلول عام 2030، أو 8ر2 تريليون دولار باحتساب الزيادات في تكاليف الرعاية، لافتة إلى أنّ الخرف يصيب المسنين بالدرجة الأولى، ولكنه لا يُعتبر جزءاً طبيعياً من الشيخوخة، وهو على أي حال، يؤدي بالمسنين المصابين به لعجز وفقدان للاستقلالية، ويخلّف آثاراً جسدية ونفسية واجتماعية واقتصادية على من يقومون برعاية المرضى وعلى أسر المرضى والمجتمع.
يقول الاختصاصي "باطني وأعصاب" الدكتور رائد الكوفحي: إن هذا المرض ينتج عن ضمور في الدماغ وتحلل بخلاياه، وموتها شيئا فشيئا، حيث يبدأ بجزء معين، ثم يمتد لمناطق اخرى من الدماغ، وبداية تتأثر الذاكرة الجديدة دون القديمة منها، حيث تعجز عن تذكّر بعض الموضوعات أو التفاصيل الجديدة، ولكنها تتذكر الاحداث منذ ثلاثين عاما، مثلا، وبالتفصيل أيضا، ومع تقدم المرض كل شيء بالذاكرة سيتأثر، سواء من الجديد أو القديم. وينصح، وهو الاستاذ المشارك في جامعة العلوم والتكنولوجيا، من يشعرون بضعف في الذاكرة بضرورة مراجعة الطبيب المتخصص بشكل مبكر، مفصحا: "لان ليس كل فقدان ذاكرة هو ألزهايمر"، ومن الممكن أن يعالج، فقد يعاني المريض من نقص في "فيتامين ب 12"، او مشاكل بالغدة الدرقية، مثلا.
ويسترسل الدكتور الكوفحي وهو اختصاصي الأعصاب في مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي: اذا بيّن تشخيص العوارض أن صاحبها مصاب بـ "ألزهايمر" فان هنالك علاجات ممكن أن تُبطّئ من تطور الحالة، والأفضل البدء بها بوقت مبكر، "لان ما يفقد من الذاكرة لا يسترد"، حيث يحاول الاطباء المتخصصون المحافظة على الخلايا الدماغية لمدة اطول، من خلال الالتزام بعلاج معين، ودائما حسب مستوى الحالة.
ويشير الدكتور الكوفحي إلى معاناة مرضى "ألزهايمر" من قلة النوم واضطراباته، موضحا فقد ينام نهارا ويصحو ليلا، أو بالعكس،، ما يستلزم مساعدته على تنظيم النوم من خلال علاجات معينة، فضلا عن احتمالية اصابتهم بنوبات من العصبية وفقدان السيطرة "الهيجان"، والتي تتطلب ايضا علاجات مساندة، تساعدهم على الهدوء والسكينة. من جانبه، ينصح استشاري الطب النفسي الدكتور زهير الدباغ، بعدم "إستثارة أو استفزاز" مرضى "ألزهايمر"، لانهم يحتاجون لحياة هادئة، ولا يحبون حصارهم بضخ المعلومات او الصراخ على مسامعهم، او تأنيبهم لانهم يكررون الاسئلة أو الجُمل ذاتها، لافتا الى اتباع تقنية "الإلهاء" معهم، وهي كناية عن صرف انتباههم لموضوع جديد منفصل عما يكررونه، وذلك لإضفاء الاجواء الإيجابية عليهم وعلى المحيطين بهم، من خلال تذكيرهم بقصص من ماضيهم، وأيام شبابهم، وذكرياتهم الجميلة والمفرحة والمسلية. وفي السياق، ينوه الى وجود ما يسمى ب"الخرف الكاذب"، وهو عبارة عن الإكتئاب الشديد، الذي لم يدركه صاحبه ولا حتى المحيطين به، ويؤدي أيضا للنسيان، وقلة الدافعية، وغياب التجدد والطاقة والحيوية، فضلا عن الإنطواء، والبعد عن النظافة، مشددا على دور التشخيص الصحيح للتفريق بين "الكاذب والحقيقي"، تحسبا من خلط الاوراق، ومنعا لوصف أدوية لها علاقة بالخرف، دون معالجة السبب الاساس وهو الإكتئاب.
رئيس جمعية العناية بمرضى "ألزهايمر" الدكتور حسين ضيف الله المصري، يشدد بدوره، على أهمية الصحة النفسية والعناية الحثيثة والمدروسة لهم من قبل المحيطين بهم، والحفاظ على كراماتهم، ونظافتهم الشخصية، وهيبتهم بين الناس.
وكانت وزارة الصحة قد اطلقت مطلع الشهر الحالي، وبالتعاون مع الجمعية الملكية للتوعية الصحية وجمعية العون لرعاية مرضى "ألزهايمر"، حملة إعلامية بهدف التوعية بالمرض، ورفع مستوى الوعي الصحي بأهمية تقديم الرعاية الصحية، ومتابعة الخطة العلاجية لهم، فضلا عن توعية أهالي المصابين به والقائمين على تقديم رعايتهم الصحية والمنزلية، بأهمية تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمرضى.
يشار إلى أن مصطلح "ألزهايمر" قد استُوحي من اسم الطبيب الذى اكتشفه "ألويس ألزهايمر" عام 1906، بعد أن "لاحظ تغييرات تشريحية في مخ امرأة توفيت بمرض عقلي غير معتاد"، وفقا للشبكة العنكبوتية.
--(بترا)