اسبانيا تضمن حصتها من الغاز وتفشل في إقناع الجزائر

مدريد – «القدس العربي»: حصلت إسبانيا على ضمانات كافية من الجزائر للحصول على كميات من الغاز التي يتطلبها السوق الإسباني، وتهدف إلى عقد قمة على مستوى عال لتعزيز العلاقات الثنائية. وتشير المعطيات إلى فشل مدريد في إقناع الجزائر الإبقاء على أنبوب الغاز الذي يمر عبر الأراضي المغربية. وتستغل مدريد والجزائر هذه الأجواء للرفع من مستوى العلاقات الاستراتيجية بينهما في وقت تمر منه علاقات الرباط بأزمة مع البلدين.
وتحول الغاز إلى محدد رئيسي للعلاقات الجزائرية-الإسبانية منذ سنوات طويلة، ولكنه اكتسب أهمية خاصة خلال السنة الأخيرة بفضل ارتفاع أسعار الغاز في السوق الدولية وارتفاع الطلب عليه لإنتاج الكهرباء، سواء للاستهلاك المنزلي أو الصناعي. وتستورد إسبانيا أكثر من 50% من حاجياتها من الجزائر، وحاولت تنويع مصادر الغاز وخاصة الاستيراد من الولايات المتحدة إلا أنها عادت لتعتمد على الغاز الجزائري وبفارق كبير على الغاز من الولايات المتحدة وروسيا بنسبة 10% ومن قطر 6% ونسب ضعيفة من دول أخرى مثل النروج.
وفي أعقاب قرار الجزائر إنهاء العمل بأنبوب الغاز "المغربي العربي-أوروبا” نهاية الشهر الجاري، سارع وزير الخارجية، خوسي مانويل ألفاريس، إلى الجزائر، الخميس من هذا الأسبوع، لإجراء مباحثات لضمان الغاز. وتأتي هذه الزيارة أياماً قليلة بعد اللقاء الذي جمعه مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة في نيويورك على هامش أشغال الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأجرى ألفاريس مباحثات مع عدد من المسؤولين وعلى رأسهم الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون نفسه مساء أمس الخميس وفق موقع الوزارة الإسبانية نفسها. وصرح بعد الاجتماع للصحافة "لقد توصلنا بضمانات تزويد الجزائر لإسبانيا بالغاز وكذلك التعهد الجزائري لتلبية الطلب الإسباني”.
وحتى الوقت الراهن، تتسلم إسبانيا حصة كبيرة عبر أنبوب الغاز الذي يمر عبر المغرب لكنها ومنذ الشهر الجاري ستبدأ بضخ الغاز بالكامل عبر أنبوب "ميد-غاز” الذي يربط شواطئ غرب الجزائر بجنوب شرق الأندلس علاوة على استعمال السفن. وعملياً، سينقل أنبوب ميد-غاز ثمانية ملايير متر مكعب وسيرفع طاقته نهاية السنة ب 20%، أي أكثر من الحصة المتفق عليها بين البلدين.
وتشير مصادر دبلوماسية إسبانية إلى فشل وزير الخارجية الإسباني إقناع الجزائر باستمرار العمل بالأنبوب الذي يمر عبر المغرب لأنه عنوان تعاون دولي في غرب البحر الأبيض المتوسط، إلا أن الجزائر ترفض الاعتماد عليه.
ولا تستبعد مدريد، وفقما نشرت جريدة الباييس نهاية الأسبوع الماضي نقلاً عن مصادر دبلوماسية إسبانية العودة إلى استعمال الأنبوب ابتداء من سنة 2023 في حالة تحسن العلاقات بين المغرب والجزائر.
وسياسياً، يؤكد ألفاريس تميز العلاقات بين الجزائر وإسبانيا والتفاهم السائد بينهما لتعزيز العلاقة الاستراتيجية بين البلدين، مشيراً إلى أن المباحثات التي أجراها مع نظيره الجزائري رمطان لعمامرة هو الاتفاق حول الرفع من مستوى اللقاءات على مستوى عال التي ستحتضنها إسبانيا وتوطيد الحوار الدبلوماسي. وستتضمن أجندة العمل مستقبلاً تنويع العلاقات الاقتصادية لتشمل الصناعة البحرية والسياحة والطاقة المتجددة بدل الاعتماد فقط على الطاقة وبعض المواد المحدودة مثل البناء.
وعالج اللقاء بين لعمامرة وألفاريس عدداً من القضايا الإقليمية مثل ليبيا وتونس وأساساً نزاع الصحراء الغربية، حيث يلتقي البلدان في دعم مساعي الأمم المتحدة، مع بعض الاختلافات، حيث تبدو مدريد لينة في معالجة الملف لتفادي إثارة احتجاج المغرب، في حين تصر الجزائر على نهج دبلوماسية هجومية مثل وصف المغرب بدولة "الاحتلال”. وكان ملف الصحراء قد تسب في الماضي في عدد من الأزمات بين إسبانيا والجزائر عندما كانت الأخيرة تتهم هذا البلد الأوروبي بدعم المغرب سياسياً خاصة في عهد حكومة خوسي لويس رودريغيث سبتيرو.
وتبدي إسبانيا عزمها للتحول إلى مخاطب رئيسي للجزائر أمام الاتحاد الأوروبي للدفاع عن مصالح هذا البلد المغاربي، وهي الاستراتيجية نفسها التي كانت قد نهجتها حكومة خوسي ماريا أثنار سنة 2002 منذ قرابة عقدين عندما دافعت عن اتفاقية حسن الجوار بين الاتحاد الأوروبي والجزائر.
ويأتي تعزيز العلاقات بين إسبانيا والجزائر في وقت تمر علاقات الاثنين مع جار استراتيجي آخر وهو المغرب بأزمة حقيقية، حيث قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، في حين تمر علاقات الرباط ومدريد بجمود حقيقي، لا سيما بعدما سحب المغرب سفيرته من إسبانيا. وينظر المغرب بنوع من التوجس إلى هذا التقارب الجديد لأنه يدرك أنه قد يكون على حساب مصالحه في الصحراء، كما حدث إبان التقارب بين البلدين خلال فترة الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الحكومة الأسبق اليميني خوسي ماريا أثنار. وتحاول الحكومة الاشتراكية بزعامة بيدرو سانتيش نهج سياسة توازن في التعاطي مع البلدين من خلال مواقف معتدلة في ملفات مثل الصحراء والهجرة.