الفساد.. وجوه أخرى

تستحوذ قضایا الفساد المباشر التي یمكن رصدھا وتكییفھا بالوجھ القانوني على الاھتمام الكبیر، إلا أنھا تشتت الانتباه عما یمكن وصفھ بالفساد غیر المباشر، وفي الحالة الأردنیة، یكاد الفساد غیر المباشر یشكل الجانب الأضخم والأخطر .والأوسع، مع أنھ قاتل خفي لا یمكن رصده أو تتبعھ بالطرق الاعتیادیة تشكل عادة إضاعة الفرص بإلقائھا في تفاصیل ومتاھات البیروقراطیة المتوارثة جزءاً من الفساد غیر المباشر، ولتوضیح الأمر ففي مرحلة الثمانینیات كانت عمان قریبة من اقتناص مكانة المدینة التي یمكن أن تتحول إلى الملاذ الاستثماري الآمن في منطقة الشرق الأوسط، فالقاھرة كانت تخضع للمقاطعة العربیة بعد كامب دیفید، وبیروت غارقة في الحرب الأھلیة، وبغداد منشغلة في الحرب مع ایران، وبالفعل حققت عمان تقدماً باستثمارھا لوضعھا الھادىء مقارنة بالمدن المنافسة في ذلك الوقت، وحدثت حالة من تفویت الفرص الكبرى في تلك المرحلة لتشھد التسعي?یات .تراجعاً كبیراً على جمیع الأصعدة كان عنوانھ الفرص الضائعة في العقد السابق لنا أن نتذكر ھذه الحالة مع تقاریر كثیرة حول الفرص الضائعة في مسألة اجتذاب الاستثمار، وألا نمارس ھوایة دفن الرأس في الرمال، وأن نتقصى الحیثیات حول المھندسة الفلبینیة التي أصرت الجھات الرسمیة على التعامل معھا بنفس طریقة التعامل مع العاملات المنزلیات، وھو الأمر الذي لا یمكن أن یحدث في دبي مثلاً، وھذه قصة عابرة بین .عشرات أو مئات القصص المشابھة، والحقیقة أن وقفة متأنیة ضروریة لتفكیك ھذه المشكلة والعمل على حلھا البعض یتحدث عن الاعتبارات الأمنیة، ولكن من یخلط بین الاعتبارات الأمنیة والتسھیلات الضروري تواجدھا في عصر التكنولوجیا وتبادل المعلومات، ولننظر إلى النموذج التركي الذي وفر بیئة استثماریة مفتوحة تقریباً للجمیع، .ومن بینھم المواطنون الأردنیون الذین أخذوا یرتحلون إلى تركیا بصورة لافتة للاستفادة من التسھیلات المتوفرة ھناك التغییر ضروري من أجل وقف نزیف الفرص، وعلى المسؤولین الخروج من مناطق الراحة، والتوقف عن تجنب الاجتھاد والبحث عن الحلول لوضع الأردن في مكان یؤھلھ للاستفادة من فرص قادمة متوقعة، فالتعامل بنفس الطریقة سیؤدي إلى مزید من الفرص الضائعة، فالنجاح یتمثل في تقدیم حلول للخروج من وضع إلى آخر، وذلك یسمى ببساطة .التقدم، أما البقاء في نفس المنطقة وتحویل النصوص الإجرائیة إلى مقدسات لا یمكن تجاوزھا أو تغییرھا أو مناقشتھا السلبیة تعتبر فساداً، والرجل غیر المناسب في موقعھ جزء من الفساد، وعدم الكفاءة والتسویف والتأجیل وكسب الوقت وترحیل المشاكل كلھا ظواھر لا یمكن وصفھا إلا بالفساد البطيء والخفي الذي لا یجذب الاھتمام، مع أن أثره الإجمالي یتجاوز القضایا الساخنة لمن یبحثون عن الإثارة واللعب في السیاسة، فقط من یبحثون عن تنمیة مستدامة .یمكنھم تلمسھ والتعرف على خطورتھ