في إعادة تعريف الجرمية الأردنية
فارس الحباشنة _ هل نعرف المجتمع الذي نعيش فيه ؟ ومصادر القوة والضعف والارباك والعطل، والتقدم، والذخيرة الحيوية. اشك ان الحكومة لديها دراسات ومعلومات وبيانات دقيقة وتحقيق واستقصاء، تطل على المجتمع من فوق وتحت، وترصد التفاعلات والتحولات الاجتماعية وغيرها .
المعدل الجرمي الاردني في حالة ارتفاع، وتغيير في نوعية ومنسوب الجريمة . والجريمة المستجدة بكل انواعها واشكالها عنوان رئيسي لرسائل كثيرة نكشف عن باطن المجتمع، وما يعيش من ازمة وعلاقات سرية غير طبيعية وسوية .
استطلاعات الراي العام ودراسات مراكز الابحاث الاجتماعية تتطلب حيادية وموضوعية واستقلالية، ومهنية في اعدادها وتحريرها، والا ما الغاية اذن من اصدارها، واستخدامها وسيلة لنحر الحقيقة والواقع المازوم .
تواترت خلال الاعوام الماضية جرائم مستجدة على المجتمع الاردني، وغير معتادة، وغير متصورة، ومن اخطرها جريمتي الزرقاء وطبربور، وجرائم لقتل اطفال على ايدي والديهم، وصبايا على ايدي والديهم، والعكس .
لماذا تقع هذه الجرائم ؟ لربما ان هناك باحثين اجتماعيين ضيوفا على وسائل الاعلام يحاولون الاجتهاد السطحي في تفسير الظواهر الجريمة المستجدة، ويستخدمون ادوات ووسائل تحليل بائدة وعتيقة، واخرى عفى عليها الزمن واكل .
ما يعني ان يقتل ابن امه ؟ لحد علمي ان هذه الجريمة لم تقع اطلاقا من قبل في الاردن . الام مقدسة، وتقديس الام من الصورة التقليدية في الوعي الاجتماعي الاردني . فماذا حدث اذن ؟ وهل هو انقلاب في صور رموز القدسية الاجتماعية ؟ والجريمة لربما نذير مبكرا لجرائم اخطر .
ومن بعد قتل الام، وراينا جرائم لقتل الاب والابناء والبنات . كنا نسمع عن جرائم لقتل الفتيات لاسباب مرتبطة بالشرف والسمعة وغير ذلك . وكانت تمر هذه الجرام باقل من عادية تحت غطاء شرعي ديني واخلاقي واجتماعي .
الحقيقة ان انقلاب المثلث الجرمي، وقتل الابن للاب، والابن للام يحمل مؤشرات من نوع ومستوى عنيف، وتنذر بمخاطر اكبر على مستوى تماسك المجتمع، واخلاقه وقوته الذاتية ومناعته الاخلاقية والسلمية، ومواجهة التحولات الاجتماعية والمعيشية والانزياح نحو فعل جرمي مستجد .
من دون شك ان اي جريمة تخفيء ما ورائها ازمة اقتصادية ومعيشية مستحكمة ومطبقة . وفي راي ان الظلم الاجتماعي والاقتصادي حاضر بقوة في كل جريمة مستجدة وقديمة اجتماعيا .
و الجريمة الاجتماعية الاخطر هو تشريد الاطفال والمراهقين نتيجة خلافات بين الاب والام في عوائل يخيم عليها الفقر، والتفكك الاسري، ونرى صورا لذلك في ولادة ظواهر الدعارة والمخدرات والسرقة وغيرها .
نسب الطلاق والانتحار غير مطروق الحديث عنهما، وهي ذاهبة الى ارتفاع مطبق في الاردن . ولا تتصوروا كم يخلف الطلاق من جرائم وتشوهات اجتماعية وتشريد لاطفال واطفال شوارع وما يواجهون من خطر داهم .
و اجد من الصعب النظر بجدية الى كل تفسيرات الانتحار، طفل يقدم على الانتحار من فوق جسر عبدون، وماذا يتخيل من وراء هذا الفعل وماذا يجول في فكره ؟ وهل هو طريق يختصر الحياة من شدة تعاستها .. لو اختزلنا تحليل الجريمة في بعدها الاقتصادي والمعيشي فذلك غير كاف، ووفي تقديري هناك خلل في البنية الثقافية العام، وثقافة عامة تحرض على السلوك العنيف الشاذ .
المجتمع الاردني يخسر قوته الذاتية ومناعته وحصانته الذاتية . والمجتمع اصبح مفتوحا لتمركز افكار التطرف والعنف الديني، وتفشي ثقافة العنف . وحوداث كثيرة تصلح دراستها وتحليلها لكشف مصدر توجيه وولادة العنف وقوى التحريض داخل المجتمع .
و على مستوى اكبر، هناك تفاقم للجريمة المنظمة، والعصابة في المخدرات والسرقة والسطو على البنوك والكازيات والصيدليات والخطف للاطفال وتجارة البشر .
الاردن لم يعرف عصابة منظمة، ولكن اليوم يبدو انها اصبحت حقيقة ماثلة .
اتحدث هنا من حقيقة دامغة في الواقع الجرمي الاردني .. وثمة ما يستوجب التنبه امنيا، ورفع مستوى الحذر والكفاءة والجاهزية، والتفكير في الجريمة من زوايا خارجة عن السياق والاطار التقليدي .