نوموفوبيا فيسبوك وأخواته
رمزي الغزوي _ربما أن الذين كانوا يتحصّنون في أحضان أحبتهم الوارفة الدلال والهناء. أو من تنعّموا في دفء أصدقائه الواقعيين على شرفات مساء أول أمس حين أصيب «فيسبوك» بسكتة إلكترونية جمدت عروقه الزرقاء. هؤلاء لم يشعروا بوطأة ساعات غيابه السبعة الثقيلة، ولم يقلقوا أو يرتبكوا أو يتشتتوا، ولم يدخلوا في دومات حسابات القادم المجهول.
لكن ما حدث أوقف العالم على رؤوس أصابعه، وجعله يتعرّق خوفاً بارداً، ويتصبب حيرة وبعثرة. وكل ذلك فرض علينا أن نتساءل بجدية مطلقة: هل حقاً ستستقيم حياتنا لو أصبحنا أيتام أو ثكالى أو أرامل وسيلة اتصالية غابت بلمحة برق، أو بضربة جنون أو بسطوة حرب سيبرانية؟. ولماذا نحتمل غياب من هم من لحم ودم ومشاعر يحيون بين قلوبنا وأعيننا؟ ولكننا لا نكاد نتصور غياب «فيسبوك» وأخواته أو إخوانه عن راحات أيادينا؟.
أم أن الغياب الحقيقي في هذه الزمن، بات هو الغياب عن العالم الافتراضي، الذي بات هو الواقعي، بكل ما في الكلمة من افتراض وواقعية؟. وهل نحتمل هذا الفصل أو القطع في حياتنا؟ هل نحن مستعدون للتخلي عنه طواعية أو كرها؟. أم أنه غدا الجزء الأكثر واقعية في واقعنا؟.
وقد يجيب عن بعض هذه التساؤلات ما حدث مع صديقي لي قبل أشهر، حين اضطر إلى الانسحاب من مواقع التواصل الاجتماعي. ولهذا كان كلما وجده زميل له في مؤسسته الصغيرة في واحد من الممرات أو المكاتب؛ يقال له: وين هالغيبة؟. أين أنت مختف يا رجل؟ لم نعد نراك؟.
إمبراطورية فيسبوك هي البلد الأول في عالمنا من حيث عدد السكان، ويقطنها أكثر من 3 مليارات إنسان. كثير من هؤلاء تململوا وقلقوا وخافوا وارتعبوا حين تجمدت أنهار بلدهم الزرقاء، مما حدا ببعضهم أن ينزح إلى «تويترستان» المجاورة ويغرد حسرته البائسة أو ضياعه المرير.
قديما كان الإنسان يصاب بالخوف والقلق حين يستخدم وسيلة اتصالية جديدة. وهذا ما حدث بعد اختراع الهاتف والإذاعة والتلفاز والهاتف المحمول. البعض كانت تنتابه الهواجس والمخاوف من استخدامها الذي ربط بالسحر أو الخرافة أو المؤامرة. أما اليوم فصار الوضع عكسيا تماماً. فكلنا تقريبا مصابون ب»النوموفوبيا»، أي الخوف من فقدان الاتصال بالشكبة العنكبوتية «الإنترنت»، أو الهلع من تعطل حساباتنا على مواقع التواصل، أو التوجس من خراب هواتفنا النقالة. نحن نحيا في كوكب افتراضي، أكثر واقعية من كوكبنا المسمّى أرضاً.