على مائدة الخلود
يوسف غيشان_تقول ملحمة جلجامش بأن الحاكم السومري جلجامش كان مستبدا وظالما، وقد بنى حول (اوروك) عاصمة بلاده سورا هائلا عن طريق إجبار الناس على العمل بالسخرة، وفي ظروف بالغة الصعوبة. ولم يكتف بذلك بل كان يجبر كل رجل ينوي الزواج على أن يرسل زوجته في ليلتها الأولى إلى الفحل جلجامش ليقوم ب(الواجب).
كان الناس آنذاك يؤمنون بالآلهة المتعددة، وقد اشتكوا إلى احداها –اعتقد انها اورورا- فاستجابت لنواح أهل اوروك، وخلقت (انكيدو) كائنا وحشيا وقويا يعيش في البرية، وقد اشتكى اليه الأهالي ظلم جلجامش، فطلب مبارزته حتى يردعه عن معاشرة نساء البلد رغما عنهن.
وبالقفز عن بعض التفاصيل، فقد اشتبك البطلان في معركة طاحنة ارتجت لها أرجاء الأرض، لكن جلجامش ينتصر في النهاية. وبعدها يصبح انكيدو وجلجامش صديقان لا يفترقان، وينطلقان في مغامرة ويقتلان حارس غابة الألهة، فتغضب منهم إحدى الآلهات، وتعرض الأمر على الكبار، ويقرر مجمع الآلهة معاقبة جلجامش، وبما ان (أبو الجلاجل) تسري في عروقه دماء الآلهة من والدته، فقد قرروا قتل صديقه انكيدو عقابا له.
كانت وفاة انكيدو أول مواجهة لجلجامش (ابو النساوين) مع الموت، فقرر أن يبحث عن الخلود لروحه الفانية. وقد علم أن هنالك رجلا وزوجته نجيا من الموت في الطوفان العظيم وصارا مخلدين فاتجه اليهما في رحلة شاقة ليبحث عندهما عن سر الخلود.
تقابله احدى الآلهات – ربما تكون سيدوري- وتنصحه بالعودة والاستمتاع بما تبقى له من الحياة بالأكل والشرب وما الى ذلك من لذائذ الحياة، لكن أخونا جلجامش العنيد يرفض ذلك ويستمر في رحلته.
يقابل جلجامش الرجل الخالد وزوجته – نسيت اسمه- ، فيطلب منه الأخير أن لا ينام لمدة ستة أيام وسبعة ليال ليحصل على الخلود، لكن جلجامش يغلبه النعاس ويفشل في إكمال المدة. فتحنو عليه زوجة الرجل الخالد وتخبره أن هناك عشبة في قاع بحر (دلمون) سوف تمنحه الخلود ان حصل عليها وأكلها.
ينزل ِجلجامش إلى أعماق البحر ويحضر العشبة، ويحملها معه في طريق العودة إلى أوروك، وكان ينوي أن يجربها على آخرين قبل تناولها (على طريقة مصانع الأدوية حاليا). في الطريق يتوقف للشرب ولقضاء حاجاته ، فتأتي الأفعى وتسرقها وتأكلها).
وهكذا يعود أخونا جلجامش إلى بلاده خالي الوفاض، لكنه عندما ينظر من بعيد إلى السور المحيط بمدينته أوروك، يدرك أن هذا السور هو الذي سيخلده لدى الأجيال القادمة.طبعا، اثبتت الأيام أن جلجامش كان مخطئا واندثر السور منذ قرون ولم يخلد حتى نفسه...الذي خلد جلجامش هو هذه الملحمة العظيمة.
هذا هو سر الكلمة الذي لولاه لتحول جلجامش من حاكم كبير وصاحب ملحمة كبرى إلى هامش التاريخ ولا يعرف اسمه إلا كبار علماء الآثار المتخصصون.