البطاينة يكتب : الهوية الجامعة مصطلح مُريبٌ وفخّ ملغوم
المهندس سليم البطاينه
قبل الولوج في المسألة الهوياتيّة لابد لي من توجيه سؤال إلى العبقري صاحب مصطلح ( الهوية الجامعة ) : هل وِحدتنا الوطنية مهددة بالتشظّي ؟ وهل نحن أمام أزمة هوية أم أزمة مصطلح ليُعاد من جديد تعريف من هو الأردني ؟ فلو أجرينا قليلاً من البحث عن هذا المصطلح لعانَينا الأمرّين في أن نجد له مصادر غير أردنية ، فهو مفهوم سيسيلوجي غير متادول لكنه لغزٌ في حدوده .. فعندما تضيع اتجاهات البوصلة يصبح مصطلح الهوية ملغوماً وغير واضح ويتحول إلى مفهوم مطاطي ، وتصبح فيها الوطنية إطاراً حاضناً فاسداً له رائحة كريهة.
فأين إذاً تكمن إشكالية الهوية في الأردن ؟ فالهوية الوطنية في الأردن عمرها مائة عام وهي منظومة مركبة معقدة ليس بالسهولة أن يتم تجاهل معطيات التشابك فيها .. فلطالما كانت الهوية الأردنية قصة كبرى وقلق وطني ، والحديث عنها قديم لكنه يتجدد باستمرار خصوصاً من أصحاب الأيدلوجيات الفرانكوفونية التي تحاول خلق شرخ داخل النسيج المجتمعي الأردني الذي حافظ على استقراره وتماسكه طيلة عقود مضت .. فهذه الجدلية لن تتوقف وهذا التضارب مداه بعيد جداً.
فالمخاوف مشروعة والساحة الآن تزخر بالأسئلة : لماذا نناقش مسألة الهوية في خضم الحديث عن الإصلاح السياسي والتغيير ؟ ومعظم تلك الأسئلة تبدو همساً ، وكلٌ يود أن يجهر بما يهمس به .. ويريد أن يعلنه على الملأ ، لكن الحرج والتردد يَلجم ذلك.
ونزيف الحوار حول الهوية الجامعة من الصعب إيقافه أو توقفه .. فالتعاطي مع قضية الهوية لا يزال بعيداً عن نضج الدولة وعمقها ، والدعوة للحفاظ على الهوية ليست محاولة للتضاد مع الهويات الفرعية وهذا يضعنا أمام سؤال مهم : هل الهوية الأردنية الوطنية ضائعة ؟
فالأرض هوية ، واللغة هوية ، والدين هوية .. والتاريخ هوية ، والديموغرافية السكانية هوية.
والأمم تنهار عندما تتخلخل هويتها .. فعندما تم تأسيس الإمارة عام ١٩٢١ كانت هناك هوية وأدوار لتلك الإمارة استمرت لمائة عام وكان الناس فيها عبارة عن نسيج فسيفسائي متنوع من شتّى الأصول والمنابت ، بحيث اندمجت في بوتَقة واحدة تَبلورت من خلالها الهوية الوطنية الأردنية.
فالتناشز الحاصل حاليا في علاقة الدولة بمواطنيها سببه أن هناك شيئاً في الخفاء يتم الإعداد له ، وهو عبارة عن مشروع غامض بعيد جداً عن تطلعات وثقافة الأردنيين.
ففي حياتنا العديد من اللحظات التي تضطرنا لحبس أنفاسَنا نتيجة الخوف من أن نكون في مرحلة تصفير تاريخي وفي انتظار مستقبل غير متضح المعالم فعلى ما يبدو هناك حديث ملتبس المعنى عن الهوية الأردنية ، فعند انعدام شعور الفرد بهويته يتولد لديه أزمة وعي Awareness Crises .. فالمجتمعات التي تعاني من خلل في تركيبها وبنائها مصيرها التفكك.
فالحديث عن هوية جامعة في الوقت الحالي يأتي ملغوماً وصاحبه يعاني من ضحالة التفكير ، وما أحوجه من أن يستمع لما يقوله الناس همساً .. فليس كل الهمس مُضراً ، فالمساواة والعدالة والحقوق والواجبات وغيرها أصلاً موادٌ منسوجة في الدستور.
فالأبدى هو توصيف وتشريح أزمات الدولة الحقيقية قبل كل شيء إلا إذا كان هناك خلف الأبواب أشياء لا نعرف عنها تُحاك في الظلام !!
فالحاجة ماسّة إلى وضوح في الرؤية والمكاشفة لفك أحاجي وألغاز الهوية الجامعة لتبديد الهواجس الموجودة عند الناس .. فالأردنيين لم يعد يشغلهم اليوم ركوب قارب النجاة بل كيفية الوصول إلى شاطىء آمن.
وهم بحاجة إلى معرفة ما يحدث بعيداً ، وخوفهم من أن يكونوا أمام فخ قادم لا يعرفون شكله .. فما يتم تداوله أن عدد العراقيين في الأردن تجاوز ٧٥٠ ألف عراقي ، وعدد اللاجئيين السوريين حوالي ١.٦ مليون ، وهناك آخرون من حملة وثائق السفر الفلسطينية من سوريا ولبنان واليمن.
فأنا فَزِع مما قد تخبئه لنا الأيام القادمة ، فعلى ما يبدو أنها تُخبىء ما لا تظهره وما لا نرتجيه ، والذي نرتجيه قد يحصل عكس ما نحب أن يكون .. فهناك من يستخف في عقولنا ويريد منا أن نعيش خارج التاريخ والجغرافيا