بسام أبو النصر والنقش على خاصرة الوطن
الدكتور جهاد المرازيق_عندما تكون الكتابة هاجسًا وتعويذة حب للوطن، تتلفع حينها بالصدق والدمع والخوف والحب.
أهداني المهندس بسام أبو النصر ــ صديق الغربة عن الوطن ــ كتابه المعنون بـ « حصاد الذاكرة « وهو مجموعة مختارة من مقالات كتبها في منجمة وفي مناسبات وأحداث مر بها الوطن وعبّر من خلالها الكاتب عن رأيه ووجهة نظره في تلك المناسبات والأحداث.
وعندما اطلعت على الكتاب كان أول ما لفت انتباهي هو المنظر الطبيعي الذي غلف الكتاب به وكم كانت دهشتي عندما عرفت أن هذا المنظر لقرية الكاتب « عمراوة « التي لم أزرها ولا أعرفها؛ جبال ووديان وزهور وماء كأنها قطعة من الجنان، قلت في نفسي لا بد لهذه الطبيعة أن تنجب إنسانًا صاحب إحساس مرهف وروح عفوية محلقة وقلبًا محبًا بصدق وهي كلها صفات لا تخفى على كل شخص عرف «بسام» أو خالطه أو زامله في العمل. ورغم جمال المنظر وبهاء الصورة إلا أن التصميم لم يكن ليعبر عمّا وجد بين دفتي الكتاب من نزف الكلمات التي تخرج من قعر القلب ويصدح بها الكاتب بعذوبة قلمه وبشفافية روحه ليعيرها أجنحة فتحلق في سماء الوطن. فجاء الغلاف وكأنه غلاف كراس قصص للأطفال أو الفتيان.
أما عندما ندلف إلى مادة الكتاب ــ الذي قدم له الدكتور هايل داوود وزير الأوقاف الأسبق ــ بمقالاته التي تجاوزت الستين مقالة متنوعة وزعها الكاتب تحت أربعة فصول وعناوين فرعية هي:
كلمات دافئة
همسات وطن ونسمات غربة
العرب بين التهاوي والنهوض
الإنسانية واقع وتطلعات.
تناول فيها الكاتب أبو النصر مواضيع تعنى وتتشابك مع قضايا عاطفية ووطنية وإنسانية داخلية على ساحة الوطن «الأردن» أو الوطن الكبير أو الإقليم ومنها ما يعنى أو يتشابك مع قضايا إنسانية وعالمية.
والكتابة لدى المبدع المهندس بسام أبو النصر ليست ترفًا بل هي التعبير عن المشاعر والمواقف بروح وطنية وإنسانية وبعاطفة صادقة وإحساس بالكلمة مرهف؛ فلم أتمالك نفسي حين لم استطع حبس دموعي أثناء قراءة الكاتب أبو النصر لإحدى مقالاته وهي بعنوان «لأجلك يا وطن أبي دفع الثمن» بحضور مجموعة من الأصدقاء؛ كانت الكلمات تنساب بسلاسة وكان يقرأ ما صاغه بتفاعل صادر من نسغ قلبه وعلى لسان ابن الشهيد معاذ الحويطات الذي استشهد أثناء عملية مكافحة للإرهاب في مدينة السلط، وحين نظرت في وجه الحاضرين ــ وكان من بينهم أصدقاء ليسوا أردنيين ــ، كانت أعينهم تذرف دمعًا مالحًا مع آخر كلمات المقالة المعبرة عن أثر الإرهاب المدمر للوطن وإنسانه ونسيجه.
إن مقالة بسام أبو النصر رشيقة تنساب بعفوية وبكلمات لا تخلو من شعرية مؤثرة يجمعها ويميزها أنها مهما اختلف الموضوعات والعناوين التي يتناولها الكاتب لا بد أن تشتبك مع روحه الوطنية الوقادة ويربطها بخيط شفيف بالأردن الذي ملأ وجدانه، وشغاف قلبه وهو ما يلفت انتباه القارئ ويجعله يبدي تفاعله وتعاطفه بإعجاب لهذه الروح المحلقة في سماء الوطن، فيبدو كفنان عتيق ومحترف ينقش بريشته كلمات على خاصرة الوطن.
أغبط صديقي المهندس بسام على هذه الروح المحاربة والمنافحة عن قضايا آمن بها وبعدالتها وعبر عنها بكل حب وصدق وعفوية وإخلاص وأرجو له المزيد من العطاء ولقلمه الدافئ أن يبقى محلقًا في سماء الإبداع الملتزم والمنتج للحب وروح الانتماء والانحياز للعدل والحق والوطن.
* عضو رابطة الكتاب واتحاد الكتاب العرب