تعديل وزاري بلا نكهة
النائب زينب البدول_توالت ردود الأفعال على التعديل الوزاري الذي أجري مؤخرا على حكومة الدكتور بشر الخصاونة، حيث جاء التعديل مخالفا للتوقعات في ظل تعمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلد، وعدم قدرة الحكومة عن الخروج بمقترحات وبرامج وتدخلات من شأنها تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية وتنشيط سوق الأعمال وتوفير فرص العمل بمستوى مقبول، والتمهيد للبدء بالمرحلة الجديدة والتي من المفترض أن تشكل عتبات جاهزة للبدء بتنفيذ مخرجات لجنة تحديث المنظومة السياسية، وبذلك نخلص إلى أن الحكومة إلى جانب تأجيلها لإدارة الملفات الساخنة والراهنة سواء فيما يتعلق بتصويب الاختلالات الإدارية أو مكافحة الفساد وفتح الملفات الكبرى، والتهرب الضريبي، وقضايا جذب الاستثمار والانفتاح على التشكيلات الاجتماعية والسياسية والنقابية، فإنها تعالج ذلك التأجيل و التقصير بإجراءات وقرارات لا تحقق التوقعات والطموحات وبذلك تترسخ القناعات بأن الحكومة تقدم أعباء إضافية على الدولة الأردنية، فنحن في مرحلة تستلزم الجدية وتحمل المسؤولية للدفع باتجاه الاصلاح المنشود.
لقد أشار رئيس الحكومة بعد حيازته لثقة مجلس النواب إلى ضرورة تعميق مفهوم التشاركية ما بين الحكومة والمجلس؛ وقد تفاءلنا خيرا حينها؛ لكن الإجراءات والقرارات الأحادية اثبتت عكس ذلك، وقد جاء التعديل الوزاري الأخير كعلامة بارزة تؤشر الى عدم رغبة الحكومة بتنفيذ تلك الشراكة وتحقيق الانسجام والتشاور فيما يتعلق بالصالح العام، كما يؤشر ذلك إلى حجم التدخلات والوساطات في آليات ذلك التشكيل والناتجة عن الصراعات القائمة بين مراكز القوى في عمان، لنصل في النهاية إلى توليفة غير منسجمة ولا تلبي الطموح، ولم ترتكز تلك القرارات على الأسس والمعايير الصحيحة في إجراء ذلك التعديل، ورغم ما طرحته ردود الأفعال وتحليلاتها حول تلك الأخطاء التي لم تضع مصلحة الوطن كأولوية؛ بل جاءت كما قلنا مصالح مراكز القوى واضحة تماما في هذا التعديل وعدنا من حيث بدأنا، ولذا فإن من الضروري الاشارة الى تلك الاخطاء والاستمرار في نقد الحكومة وكشف المزيد من التفاصيل.
في مسارات الدولة الأردنية ومن خلال تقاليدها في تشكيل الحكومات وإجراء التعديلات؛ ثمة تقاليد وأصول كانت تعمل عليها الدولة ومن خلال نظامها السياسي وبنيتها العميقة، كانت تراعي فيها جميع الحسابات السياسية، ويتم من خلالها توزير الوزراء وفقا لتلك الحسابات، كانت تراعي العوامل الديمغرافية والسياسية والثقافية والاقتصادية والظروف الراهنة والتحديات القائمة سواء خارجية أو داخلية، ولكنها في الغالب كانت ترتكز الى معيار الكفاءة والفاعلية خصوصا في الوزارات السيادية، جميع هذه التقاليد تم تجاوزها خلال التعديل الاخير بشكل واضح وفي سياق أحادي للغاية وبدون استمزاج اهل الحل والعقد في الدولة الاردنية، ما يعكس عمق الأزمة التي تعيشها الحكومة في بنيتها الداخلية وهي تعبير واضح أيضا عن تراجع الحكومة عن التزاماتها ومسؤولياتها، واعتمادها على نهج تسيير الأعمال التي يتولاها في العادة كبار موظفي الدولة من الصف الثاني.
ليس المطلوب أن أقوم بتعيين وزير يرتكز الى منظومة الوراثة الباشوية، ولو كانت تلك الترضيات تتم عبر استجلاب الكفاءات ذات التجربة السياسية الناضجة والعطاء الوطني المشهود له لكان الموضوع مختلفا تماما، وليس المطلوب توزير من ليس له علاقة بالإدارة الحكومية او التجربة السياسية، ولا يحمل السيرة المهنية والسياسية المطلوبة التي تؤهله لقيادة المنصب بكفاءة واقتدار، ولماذا يتم الإبقاء على بعض الوزراء من ذوي الأداء التقليدي والبرامج الخفيفة الذين لم يحققوا أية إنجازات ملموسة؛ بل على العكس؛ أسهموا في رفع مستوى المحسوبية والترهل من خلال التدخل بالتعيينات وسلب الحقوق من مستحقيها، وتجميد القوى الاجتماعية الحية التي يعتقدون أنها تنافسهم على السلطة، وعندما تخضع الحكومة للتدخلات من هنا وهناك فإن ذلك يضعف من مستوى الثقة فيها، ويبدو لي أن توزير من ليس مستحقا في هذا الظرف الوطني الصعب، ستكون انعكاساته سلبية على مصالح المواطنين وتطلعاتهم.
إن الوطن في الظرف الراهن يعيش تحديات اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة، تجعلنا نتطلع إلى العمل ببرنامج وطني سياسي تنموي شامل؛ يحقق تطلعات وآمال الأردنيين، ينفذه فريق وزاري مؤهل لتحمل المسؤوليات الوطنية؛ وصولا إلى مستوى مقبول من الحرية والعدالة والرعاية الاجتماعية، وإلى وطن قادر على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.