وفي الـ70 الصين شابة

مروان سوداح

 
قُبيل الأول من أكتوبر/تشرين الأول المُقبل وخلاله، تَحتفل جمهورية الصين الشعبية الصديقة للاردن، وسفارتها لدى المملكة الاردنية الهاشمية، بالذكرى الـ70 لتأسيس الدولة الشعبية، وبقيادة الحزب الشيوعي الصيني لها ولشعبها الذي يَتشكّل من عشرات القوميات والشعوب المتآخية، وبضمنهم ذوي الاصول العربية.
 غالباً، في الدول ذات النظام الاقتصادي والسياسي العشوائي، تشيخ وتهرم الدولة سوياً مع هَرَم  وشيخوخة حزبها السياسي، لكن الصورة في الصين مختلفة تماماً، بل هي على عكس ذلك من الألِف إلى الياء، حتى أنه يمكننا القول إن نظرية ابن خلدون لم تصمد أمام إصرار الصين للحفاظ على فتوّتها، فالحزب يُحارِب الفساد والإفساد بلا هوادة، وينهض بشعبه في كل المجالات، ويوجّه ثِمار التقدّم أولاً إلى أمّته ولسد احتياجاتها. لذا، نرى كم تزدهر الدولة الصينية وحزبها، ويتطوران ويعودان للقفز إلى شبابهما، بقوى تنظيمية تعميرية، وبإرادة فتية لحزبٍ مُفعم بالابتكار باطراد، وها هي الصين تغدو الثانية اقتصادياً، وتُسارع الخطى لتقدِّم اختراعات تلو أخرى في الكثير من المناحي التي لم يَسبقها إليها أحد، حتى وصلت تلك البلاد إلى زراعة الخضار في محطات صينية سابحة الفضاء الخارجي، والاستعداد لتعمير كوكب القَمَر وإسكان الصينيين فيه، وربط القارات بسُبلِ «مبادرة الحزام والطريق» العالمية، المُثيرة للإعجاب، والتي يَصونها الأمين الرئيس النابه شي جين بينغ صديق الاردن الكبير، إذ لم يَسبق الصين إلى هذه المبادرة أحد في حقبتين، المُوغلة في القِدم (طريق الحرير التاريخي)، والآخرى المُعَاصرة..
 تأسست جمهورية الصين الشعبية في الأول من أُكتوبر 1949، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقّف الحزب الشيوعي الصيني عن توجيهها إلى ما هو مُفيد وخير لشعبها، وللتعاون الفاعل مع شعوب وإرادات العالم ودوله وحكوماته، بغض النظر عن توجّهاتها السياسية والأيديولوجية، وتقديم المساندة المتعدِّدة الأوجه إليها، دون أي تدخل في شؤونها الداخلية، وضمن معادلة «رابح - رابح» للجميع. ومِن المعروف أن أفريقيا، على سبيل المِثال لا الحصر، كانت شهدت توسّعاً لافتاً في ستينات القرن المنصرم، بتلقي المساعدات الصينية المُقدَّمة لدولها، منذ حقبة الزعيم ماوتسي تونغ الخالد، مما أزعج جهاز «الموساد» الصهيوني الاسرائيلي، ومَن يقف خلفه داعماً ونافخاً في بوقه، فَشَرَعَ عملاؤه وأزلام القوى الحليفة له، بـ»تصيّد» الخبراء الصينيين، وعادةَ ما تُستخدم مُفردة «تصيّد» بدقّة حتى الآن، لوصف حالة المواجهة التي افتعلتها القوى الرجعية المناهضة للصين في أفريقيا والعالم، وكان أن سجّلت مَقتل ليس الخبراء العسكريين الصينيين فحسب، بل وخبراء الصين المدنيين الذين عملوا في الحقول الاقتصادية والتجارية وغيرها في القارة السمراء. 
 في الحقيقة، يَصعب علينا أن نتصوّر وجود العالم المعاصِر بدون الصين وبلا حزبها - الذي حافظ على مسيرتها الملتزمة بمبدئية وعقائدية تتفرد بها الصين قيادةً وشعباً. فالكرة الأرضية ستُصبح أجمل وأبهى بمساعدات الصين وتقنياتها وتقدِماتها المادية والروحية. وتطوّر الصين المتسارع والمذهل، يَدفعنا للتفكير العميق والموضوعي بما يتّصل ودنو تحوّلات جيوسياسية واقتصادية غير مسبوقة تنتظر الإعلان عن نفسها للانسانية، ذلك أن هذه الدولة الآسيوية العريقة، وحزبها الآسيوي والشرقي مَشاعراً وجغرافياً وثقافياً، والأُممي تطلّعاً ونضالاً وجَبلةً، لا تُبقى ما تصنعه وما تُبدعه لنفسها طي الكتمان، بل تشحنه للعالم، والأهم بأسعار مناسبة وفي متناول الطبقات والشرائح العالمية المُهمّشة إذا كان سلعة مادية، ومجاناً إذ كانت السلعة ثقافية وتعليمية وإنسانية، في حين طحنت عجلات المنافسة الرأسمالية الجشعة هذه الطبقات، وأخرجتها من دوائر وصفحات التاريخ، بالرغم من أن سواد الجماهير الفقيرة والمتوسطة هي المدافعة عن أوطانها، وتصونها برغم فاقتها وأسمالها التي هي أصلاً وفصلاً متآكلة ومُهترئة.
 الصين هي البلد الأكثر سكّاناً على وجه الكرة الارضية (مليار ونصف المليار نسمة)، وحزبها القائد هو الأكثر عدداً بين جميع أحزاب المَعمورة (يَقترب من مئة مليون عضو)، وهي البلد الذي يَشغل المكانة الاولى بجدارة في حقول كثيرة، تبوّأتها الصين بفضل التزامها القيادي والشعبي بالانضباطية والصرامة بالفكر والقول والعمل.
* صحفي وكاتب أردني، ورئيس الاتحاد الدولي الالكتروني للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء الصين.