لماذا لا يعودون إلى ديارهم؟
رمزي الغزوي_ما زال عالقاً في شبك ذاكرتي ذلك المشهد الحميمي الإنساني الراقي، في الضاحية الجنوبية لبيروت الحبيبة، عقب العدوان الإسرائيلي الغاشم 2006م. سيدة في أواسط عمرها تنصب شرشفاً خفيفاً؛ ليكون خيمةً تستظل بها فوق ركام يرتفع عدة أمتار.
وحين نصعد إليها، تقلّب كفيها في الهواء، وتحشرج بدموع مدرارة. هذا بيتي، أترونه؟ أنتم لا ترونه أبداً. أنا وحدي أراه وأحس به. إنه هنا، هنا كان بيتي وحياتي، وما زال هنا، وقد عدت إليه، ولن أفارقه، حتى وهو حجر مركوم، أو غبار مبثوث.
يومها تذكرت الطيور المهاجرة التي لربما تبتعد آلاف الكيلومترات عن موطنها ومسقط روحها، ولكنها حينما تؤوب بعد رحلات شاقة، تهبط إلى ذات أعشاشها، حتى ولو كانت أثراً بعد عين، أو كانت منتهكة بالمطر والريح. للبيوت أرواح تسكن أصحابها وتتغلغلهم، وهي بوصلة تهديهم، وتمنحهم اتجاه الحياة وطعمها.
قبل أيام سادت نكتة على مواقع التواصل الاجتماعي تقول إنه وعقب فتح الحدود من جديد مع سوريا الشقيقة؛ غادر الأرنيون إلى سوريا في رحلات سياحية وزيارات وتجارات، فيما ظل الأخوة السوريون الذين ألجأتهم الحرب دون أية إشارة تصدر عنهم حول نيتهم العودة إلى ديارهم. فلماذا؟ وهل بقي ثمة مبرر لوجودهم؟.
ولهذا سيبقى السؤال المفتوح كجرح حارق. أين هي أسراب اللاجئيين السوريين. أين هم؟ كيف لم تكتظ بهم بوابات الحدود حتى بعد فتحها منذ أكثر من سنتين ونصف؟ لماذا لم يعودوا إلى أعشاشهم وهذه الطريق مشرعة إليها؟ من يمسك بهم؟ لماذا كسروا آفاق كل توقع، ولم يعد منهم إلا العشرات أو المئات على أكثر تقدير. لماذا لم نر إلا سرابهم؟.
سيقول لنا من يتدرعون ويختبئون وراء نظرية المؤامرة، إن ثمة مستفيداً من عدم عودتهم. وهنا سنضحك ملء الوجع والسخرية، ونقول ما يقوله مثلنا الشعبي: اللي بدري بدري، واللي ما بدري بقول كف عدس. وهنا لا أشكّ للحظة بأشواقهم إلى بيوتهم، أو حتى إلى بقاياها أو ركامها، ولا إلى أروحهم المتروكة هناك. وإلى ظلال شرفاتهم ومساءاتهم وبساتينهم وحواكيرهم.
وإن قال أحدهم: كيف يعودون إلى ركام البيوت وحطامها؛ فسنقول: ما المانع؟ نعم وما المانع؟ ما زال في المكان روح البيت وطيفه وذاكرته. أرواح البيوت لا تفارق المكان. إنها تتجاوز الجغرافيا وتدخل في تاريخ القلوب، وتعين على عودة الحياة. لكن اللاجئين يدركون معنى عودتهم إلى هناك.