الإعلام الشعبي .. واقع ومستقبل
الدكتور: رشيد عبّاس
لا اعرف إلى أية درجة تُدرك فيه الحكومة عندنا المستوى الذي وصل إليه المجتمع الأردني اليوم والمتعلق بتداول المعلومات والاحداث بين أفراد المجتمع وذلك عبر مواقع وسائل التواصل الاجتماعي ضاربين بالإعلام الرسمي للأسف الشديد عرض الحائط؟ وعلى هذا الأساس نتساءل هنا كيف ستتصرف الحكومة لاحقاً تجاه هذه المسألة المتنامية, مسألة تضييق الفجوة ما بين الإعلام الرسمي المنضبط للحكومة, وما يسمى بالإعلام الشعبي المنُفلت لبعض فئات المجتمع الأردني.
دائرة الإعلام الشعبي باتت تتسع اليوم شيئاً فشيئاً على حساب الإعلام الرسمي وذلك نتيجة لعدة أسباب لعل من أبرزها الفراغ الواسع الذي يتركه الإعلام الرسمي للحكومة تجاه حدث ما أو معلومة معينة, مع يقيننا التام أن مثل هذا الإعلام وأقصد هنا الإعلام الشعبي خالٍ تماماً عند البعض من المبدأ العام والذي ترمي إليه الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين), فالتحقق من المعلومة امر واجب دعا إليه الشرعي, دون اية استثناءات تذكر.
إن تفاعل أفراد المجتمع معاُ حول معلومة معينة أو حدث ما عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون قيود أو ضوابط إعلامية تُذكر, كتحريف المعلومة بالزياد أو بالنقصان عليها, أو إثبات المعلومة أو نفيها, أو التعليق عليها سلبا أو إيجابا من وجهة نظر أفراد المجتمع وحسب أهوائهم وأمزجتهم الخاصة بكل منهما, مع ترك منظومة الاخلاق الحَكم الوحيد على ذلك, بعيدين كل البعد عن الضوابط المنهجية التي تحكُم الإعلام الرسمي, امر في غاية الخطورة وبالذات إذا كان الأمر يتعلق بتشكيل رأي عام في موضوع ما أو قضية معينة تخص في الدولة وأمتداداتها.
اعرفُ كغيري أن الإعلام الشعبي عند (بعض الدول المجاورة) تشكل نتيجة حتمية لأتساع دائرة الاقتتال الداخلي ونتيجة للحركات الاحتجاجية الناتجة عن الربيع العربي، وذلك لكسر احتكار الإعلام الرسمي للمعلومة أو ربما إخفاءها تماماً لسبب أو لأخر, حتى بات الإعلام الشعبي أداة تنظيم سياسي، وإدارة للحركات السياسية، وقد أوصل الشعب بطريقة أو بأخرى إلى حالة من التمكين السياسي، واستشعار الشعب بقوته في المشهد السياسي أدى إلى استشعاره بقوته على الساحة الإعلامية أيضا، حيث بات هناك مزيد من التحديات بين الشعب والدولة والإعلام, وقد هز الإعلام الشعبي بذلك شِباك المؤسسات الإعلامية الرسمية للدولة هناك.
واقع الإعلام الشعبي اليوم محط دراسة وبحث واستقصاء لكثير من الباحثين والمهتمين, وكان ذلك نتيجة لطرح البعض للعديد من التساؤلات المشروعة والتي ما زالت الإجابات عليها عالقة حتى اللحظة, ومن بين هذه التساؤلات ما يلي: متى ظهر هذا النوع من الإعلام, ما أسباب ظهور هذا النوع من الإعلام ؟ ما أثر هذا النوع من الإعلام على الإعلام الرسمي؟ ما دور الإعلام الرسمي تجاه هذا النوع من الإعلام؟ كيف يؤثر هذا النوع من الإعلام على سياسات الدول؟ وأخيراً ما مستقبل هذا النوع من الإعلام في قادم الأيام؟
لم يعد المواطن اليوم يقبل أو حتى يتقبل طبخ المعلومة أو الحدث بأوعية وأواني الإعلام الرسمي الحكومي, المواطن بشكل عام يريد أن يكون شريكاً في تشكيل وتمحيص وتقليب المعلومة يميناً ويساراً والتي تمس حياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية, رافضاً أسلوب التلقين الماسخ لشخصية الإنسان وكرامته التي جُبل عليها، الأمر الذي دفع ويدفع المواطن إلى تحرير المعلومة من قيودها وفك اسرِها من احتكار نفوذ الإعلام الرسمي تجاهها، وشواهد تأثير الإعلام الشعبي سلباُ على الإعلام الرسمي ماثلة اليوم أمام الجميع, وأن المستقبل القريب سيشهد المزيد من هذا الواقع، وأكثر من ذلك سيطوّر الإعلام الشعبي من نفسه يوماُ بعد يوم, إذا ما أخذ الإعلام الرسمي دوره ومكانته الحقيقية.
الحكومة ممثلة بوزارة الأعلام معنية اليوم قبل الغد بجعل الإعلام الشعبي الذي يديره الناس العاديين شريك فاعل للإعلام الرسمي, من اجل الدفاع عن الوطن وصون مكتسباته ووحدته, وأن تحرير المعلومة وفك اسرِها من مقص الرقيب امر في غاية الاهمية، فلم يعد المواطن في موضع المتلقي السلبي، بل تحول إلى موقع الشريك الفاعل، ويجب أن نسخّرهُ في بناء وطننا والدفاع عنه, فنحن اليوم في ظروف ليست بالسهلة تستوجب تكاتف جهود الجميع في مختلف مستوياتهم، فالجندي يمتلك البندقية والمجتمع يمتلك سلاح الإعلام الرسمي والشعبي, ففي الوقت الذي ينتظرنا الوطن للدفاع عنه يجب أن نصد من يوجه سلاحه نحو وطننا وقيادته, فلا مكان للمتخاذل أو من يقف في الحياد مهما كان, ويمكن النظر إلى الإعلام الشعبي عبر مواقع التواصل الاجتماعي على انه نعمة بالغة وسلاح فعَّال يجب معرفة استغلاله من المواطن عبر الحكومة, وخيارنا يكون من خلال الإسهام في البناء وفق منهج واحد ومحتوى إعلامي متناسق ومتناغم، وعلى الجميع أن يغرد في نفس السرب وليس خارجه.
اعتقد جازماً أن الإعلام الشعبي موجود لدينا وبدأت تأثيراته بالظهور مؤخراً, حيث يتفاعل أفراد المجتمع معاُ حول معلومة معينة أو مجريات حدثٍ ما عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون قيود أو ضوابط إعلامية تُذكر, كإثبات المعلومة أو نفيها, أو التعليق عليها سلبا أو إيجابا من وجهة نظر أفراد المجتمع, وكان ذلك وما زال بسبب الحملة الإعلامية السلبية التي يقف خلفها مجموعة من معارضي سياسات الحكومات المتعاقبة للدولة.
على الدولة أن تدرس هذه المسألة بعمق وعناية, والعمل على تهذيب واقع وطبيعة الإعلام الشعبي وذلك من خلال عمل توازنات ما بين ديمقراطية وحرية التعامل مع المعلومة, وبين المصالح العليا لشؤون الدولة.