القانوني رايق المجالي يكتب : قانون سادة يا أيها السيدات والسادة...
لعناية السادة النواب فيما يتعلق بقانون الجرائم الإلكترونية لكونهم مقبلون على مناقشة تشريعات الحياة السياسية ومخرجات اللجنة الملكية :
قانون الجرائم الإلكترونية النافذ يعد خروجا على السياق العام في الدولة الذي يفترض أن بوصلته تتجه نحو إطلاق الحريات وخلق المناخ السياسي الصحي وهو أيضا وفي البدء خروج على مباديء التشريع الجزائي وذلك بما تمثل في عدم مراعاته لمبدأ قانوني أصيل يحكم التشريعات الجزائية وهو مبدأ التفريد العقابي وذلك ما تجلى في نص المادة (11) من القانون التي تجرم (الذم والقدح والتحقير ) (قلم قايم ) وهذا أيضا يخالف مبدأ الشرعية في التشريع الجزائي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ) ويخالف مبدأ (عدم جواز القياس في التشريع الجزائي ) , حيث لا يجوز في التجريم إستخدام العبارات الفضفاضة وعمومية المعاني ولا يجوز قياس فعل على فعل آخر أو معنى على معنى ؛ فقانون العقوبات الأردني عندما جرم الذم والقدح والتحقير جاء بتفصيل قانوني دقيق لكل حالة على حدة وصولا إلى وضع عقوبة متفردة وخاصة لكل فعل وفقا لمستوى الخطورة الجرمية التي يعكسها ، في حين جاءت المادة (11) من قانون الجرائم الإلكترونية لتضع أفعال الذم والقدح والتحقير على سوية واحدة وتفرد لها عقوبة واحدة هي الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
وهنا أيضًا خالف قانون الجرائم الإلكترونية قانون العقوبات بإبقائه الباب مفتوحًا أمام جوازية التوقيف في الشكاوى سندا لهذا القانون في الوقت الذي لا يمكن التوقيف على جريمة الذم أو القدح أو التحقير الواردة في قانون العقوبات، وهذه الجوازية التي هدرت وقيدت حرية التعبير وممارستها على أرض الواقع جعلت المادة |(11) مدخلًا لتوقيف الأفراد لمجرد التعبير عن آرائهم أو ما ينشرونه عبر مواقع التواصل الإجتماعي من منطلق التعبير عن الرأي أو الإحتجاج أو محاولة إيصال الرسائل لجهات عليا , وفي نفس السياق وإن كان هناك ممارسات لحق حرية التعبير تتجاوز حدود النقد المباح وفقّا للمعايير المنضبطة ووفقًا للتشريعات الوطنية ، إلا أن هذا التجاوز لا ينبغي أن يكون سببا موجبا لمنح القانون صلاحية توقيف الأفراد في قضايا لا تستوجب طبيعتها ذلك لكون التوقيف في الأصل تدبير إحترازي يقصد منه حماية المشتكى عليه أو ضمان عدم نشوء وإرتكاب جرائم جديدة نتيجة للشكوى الأصلية ضد متهم أو لضمان عدم تأثير بقاء المشتكى عليه طليقا على مجريات التحقيق ونظر الدعوى أو لضمان مثول المشتكى عليه أمام الجهات القضائية كلما دعت الحاجة ,وهذه هي الأسباب المنضبطة التي منحت إستنادا لها السلطة التقديرية للمدعي العام والمحكمة في مسألة التوقيف فهي ليست عقوبة أو تعزير للمشتكى عليهم .
والنتيجة التي ترتبت على التكرار التشريعي في قانون العقوبات وقانون الجرائم الإلكترونية وعلى نفس الأفعال أدت إلى توسيع نطاق الملاحقة الجزائية والتضييق على ممارسة الحق في حرية التعبير، وهذ سيؤدي إلى اضعاف البنية التشريعية للدولة بسبب ازدواجية التشريع من ناحية ووجود التناقض من ناحية وسينتج عن ذلك قطعا عدم قدرة الفرد على ضبط سلوكه وفقًا للنصوص القانونية النافذة والنتيجة الحتمية هي أن يضيق الأفراد ذرعا بسلوك السلطات وأن يهدم جسر الثقة بينها وبين الفرد (المواطن ) وهذا ما سيؤدي حتما وقطعا وبالضرورة إلى زيادة حالة الإحتقان الشعبي التي تفرخ كثيرا من المشاكل والأزمات .
ومما يقتضي التأكيد عليه والتنبيه له أيضا أن تحقيق هدف تطوير الحياة السياسية لا يقتصر على وجوب مراجعة تشريعات (قانون الإنتخاب وقانون الأحزاب وقانون اللامركزية ) أي القوانين التي تتعلق فقط بممارسة الإنتخاب أو حرية تشكيل الأحزاب والنقابات بل إن التشريعات الجزائية هي أساس تطوير الحياة السياسية أو تخلفها وتراجعها لأنها أداة فرض قوة القانون بمفهومه العام أي فرض قوة وسطوة الدولة , فلا يستقيم القول بوجود مناخ من الحريات العامة لممارسة العمل السياسي بكل أشكاله وأنواعه مع وجود سقوف متدنية ومنخفضة متباينة وفقا لتقديرات أعضاء السلطات العامة وحسب الفهم المختلف للتوصيفات الجرمية فيجرم فعل شخص وفق تفسير لشخص أو أشخاص قد لا يجرم ذات الفعل إذا تغير شخص الفاعل أو شخوص من يفسرون النصوص ويمتلكون صلاحية التكييف .
وفي النهاية أود الإشارة إلى أن المعايير والمباديء القانونية التي تحكم أنواع التشريعات ثابتة لا تتغير -فلكل نوع من أنواع التشريع معايرا ومبادئا خاصة إضافة إلى العامة في القانون وهي التي تحدد سلامة التشريع ونجاعته لتحقيق الأهداف المخصصة لكل تشريع ,مما يعني أن العبث بهذه المعايير والمباديء لا ينتج إلا تشريعات ممسوخة ومشوهة لن (تزيد الطين إلا بلة ) وستساهم التشريعات الركيكة والممسوخة في تفاقم أبسط المشاكل لتحولها إلى أزمات كبرى معقدة وعصية على الحل , ولهذا فإنني أوجه خطابي وملاحظاتي القانونية الصرفة هذه إلى (السلطة التشريعية ) أي (المشرع ) الذي يفترض أنه (لا يلهو ولا يلغو ولا يركن إلى المترادفات ) ..!
والله والوطن من وراء القصد ,,,
ابو عناد رايق المجالي .