هل أصبح جسر عبدون منبر الشعب الوحيد...
مررت اليوم على جسر عبدون وهو المعلم الذي أصبح في العاصمة عمان مقصدا لكل من بلغ بهم اليأس حدودا لم يعودوا قادرين معها على التفكير وبالتأكيد لأنهم يريدون أن يعلنوا هذا اليأس فكما نعلم جميعنا أن كل من توجهوا لذلك الجسر لم ينفذوا بل وقفوا وهددوا وتم إقناعهم بالعدول عن فكرة الإنتحار..!
لا أخفيكم أنني سرحت بأفكاري وتذكرت كل الأخبار عن الذين وقفوا على هذا الجسر مهددين بالإنتحار ولم يفعلوا، وسألت نفسي لماذا يأتون إلى هنا ولماذا لم ينفذ أخذ منهم ما دفعه للقدوم وإعتلاء الجسر وهناك أماكن شاهقة العلو تكون قريبة لكل من يفكر بالإنتحار وكذلك هنالك وسائل شتى لو أرادوا حقا أن ينهوا حياتهم بأيديهم ..
والجواب الذي نجمع عليه جميعنا - دون إستثناء - أن كل من ذهب ووقف على هذا الجسر هو في قراراته لا يريد الإنتحار وكل ما يريد هو إعلان الصرخة وجلب الأنظار لمشكلته وما يعانيه، وهذا يجعلنا على قناعة تامة أن الأمر لا يتعدى التهديد والوعيد من أجل الإستماع للمظلمة وللشكوي...
نعم هذا هو ما في الأمر ولكن هذا يثير السؤال التالي : لماذا أراد ذلك الشخص جلب الإنتباه لمظلمته أو شكواه فوق هذا الجسر...
والجواب المنطقي والطبيعي الذي لن يختلف عليه إثنان أن هذا الذي إتبع هذه الوسيلة لجلب الإنتباه لابد أنه قد سدت في وجهه كل الطرق وأنه قد إستنفذ كل القنوات للتظلم والشكوى مهما كانت مشكلته أو مظلمته، فلا أحد في حالة طبيعية وسليم العقل قد يفكر باللجوء مباشرة لهذا الأسلوب لعرض شكواه والمنطقي والطبيعي أن يسعى أولا إلى حل مشاكله بنفسه ثم يطلب مساعدة الآخرين ثم يشكو لمن يعتقد أنهم سيستمعون لشكواه ولديهم القدرة على التخفيف عنه إذا لم تكن لديهم القدرة على حل مشكلته...
وحيث أن لكل مجال أو علم أو فكر مؤشرات وأدوات قياس فإن تكرار هذه الحالة أو هذه الأخبار من فوق جسر عبدون هي مؤشر على وجود خلل في كل مجال وكل إتجاه، فهي مؤشر سياسي وإقتصادي وإجتماعي وإداري وقل ما شئت من أوجه الحياة، وهي مؤشر على الفشل عند كل جهة أو مؤسسة معنية بتلمس هم المواطن أو على الأقل الإستماع لشكواه - فردا أو جماعة - حتى لو لم توجد الحل، وهذا يعني أن (جسر عبدون) أصبح الملجأ والمنبر الوحيد للأفراد لأن الملاجيء والمنابر الأخرى مقفلة الآذان والأبواب..
فهل يلجأ مواطن لجسر عبدون ليعرض مظلمته ويعلن عن يأسه لو أن نائبا أو مسؤولا واحدا إستمع له وأشعره بأنه يولي مشكلته الحد الأدنى من الإهتمام...
صدقوني أن هؤولاء الذين يقدمون على إعتلاء جسر عبدون قد كتبوا في صفحة التاريخ ما يعد وصمة عار على من تجاهلهم لأنهم يثبتون " أننا نعيش في حارة كل مين إيده إله" وللأسف الشديد فقد أصبح لسان حال بعض المواطنين بدل أن يقول " لو أن لي ١٠٠ روح في جسدي لبذلتها كلها تكرارا في سبيل الوطن" أصبح يقول " لو أن لي ١٠٠ روح في جسدي لبذلتها واحدة تلو الأخرى من على جسر عبدون لحل مشاكلي واحدة تلو الأخرى "، فقد أصبح جليا أن المواطن لم يعد يثق إلا بجسر عبدون لتصل صرخته ..
رايق المجالي