سريع التردد !
عامر طهبوب _لو كان هناك جائزة أردنية للأفكار الفاشلة، لقمت بتزكية صاحب فكرة الباص السريع، أو بالأحرى «سريع التردد»، لنيلها، ولو كنت صاحب قرار، لطالبت بتقديم من تبنى الفكرة للمساءلة .
عقد من الزمان وأهل عمان ينتظرون إنجاز المشروع الذي لم يكن واضحاً على أي نحو سيكون. الباص السريع ليس سريعاً، ولا أعرف بعد كيف يتردد. اقتطع من الطرق التي تحتاج إلى توسعة نصفها. زاد الاختناق المروري. أربك العاصمة، واستنزف الأموال في غير مكانها الصحيح.
وأريد أن أسأل: هل الباص السريع حل مؤقت أم أنه الحل الدائم لتقديم خدمة مواصلات متطورة في عمان؟ إذا كان مؤقتاً فهذه كارثة، وإذا كان دائماً فتلك الطامة الكبرى، ففي الحالة الأولى، نكون قد أنفقنا الأموال الطائلة في ما هو مؤقت، وستذهب سدى في نهاية الأمر، وفي الحالة الثانية وهي أن يكون أبدياً، فذلك يعني أن الباص سيصبح مع تزايد عدد السكان والمركبات، عائقاً وليس حلا.
كان يمكن التفكير في «الترام» الذي يفسح المجال لاستخدام الطريق من قبله، كما المركبات الأخرى، لا أن يخصص نصف مساحة الطرق على طولها وعرضها إلى باص. الإسكندرية عرفت الترام عام 1863 عندما كانت العربات تجرها الخيول، وأما الآن فمعظم مركبات «الترام» تعمل على الطاقة الكهربائية، وقد أثبتت هذه الوسيلة نجاحها في مصر حيث بدأ العمل في القاهرة عام 1896 وأسهم في نقل المجتمع المصري إلى الحضارة، وجعل طلبة العباسية يدرسون في مصر القديمة، وكذلك الجزائر، والمغرب، ودبي مؤخراً - وإن كان محدوداً - وتوقف «الترام» عن العمل في سوريا ولبنان، أما في تركيا فقد بدأ العمل على هذه الوسيلة عام 1871 باستخدام الخيول، فيما بدأ العمل على استخدام «المترو» في استانبول عام 1914 بطول 170 كيلو متراً انطلاقاً من ميدان تقسيم مروراً بشارع الاستقلال، وصولاً إلى «بي أوغلو» .
لم أشأ ضرب الأمثال في «ترام» شيكاجو، وأوروبا التي ألفت هذا الشكل المتداخل والفاعل في وسائل النقل، والأمثلة حاضرة على نجاح التجربة في هولندا وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وبريطانيا وغيرها من الدول.
لوكسمبورغ استبدلت عام 1954 «الترام» بالحافلات، ثم ندمت، وعادت عام 2017 لاستخدام «الترام». فيينا تمتلك «ترام» على طول 173 كيلو متراً بدأ بالخيول قبل أن ينتقل إلى الكهرباء عام 1897. الأمثلة كثيرة لا حصر لها، وأنا أتحدث عن «الترام»، وليس «المترو»، ولم أتطرق إلى شبكات القطارات التي بدأت العمل في أوروبا قبل أربعمائة عام، هي عمر الفارق الحضاري بيننا وبين هذه الدول.
لم أستخدم في كل زياراتي المتكررة إلى بلجيكا سيارة أجرة أو باصا مرة واحدة. بإمكان القاطن في «سانت غيلز» والراغب بالتنقل من بلجيكا إلى اي بلد أوروبي عن طرق القطار، الانتقال -على سبيل المثال- باستخدام «الترام» للوصول إلى محطة مترو «لويز» في دقائق قليلة، والوصول إلى محطة القطارات الرئيسية «ميدي» خلال دقائق قليلة أخرى، ثم الانتقال إلى رصيف القطار للوصول إلى باريس في ساعة ونصف، وإلى أمستردام في ساعة ونصف، أو لوكسمبورغ خلال ساعة، أو «ليل» الفرنسية في 35 دقيقة، وهكذا ترى أن حكومة بلجيكا تعمل على إقامة خط «ترام» متقدم في مدينة «لييج» على الحدود مع ألمانيا وهولندا.
كان يمكن الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى، ومن أخطائها بدلاً من أن يكون لنا خصوصيتنا في الأخطاء، وسيثبت لكم الزمن صدق حُكمي على «سريع التردد».