الغزو الصامت لمنظمات المجتمع المدني وتأثيره على الأمن القومي الأردني
المهندس سليم البطاينة
منذُ عشرون عاماً أخذ دور المنظمات غير الحكومية في الأردن يتبلور بشكل واضح للعيان ، وبدأت التساؤلات حول مسألة التمويل الأجنبي لتلك المنظمات العاملة في الأردن ، حيث تتعدّد مداخل تمويلها ولها أبعاد وأجندات غير واضحة ، فأمريكا كما علمت تقدّم ل ٦٨ منظمة من منظمات المجتمع المدني داخل الأردن مبالغ مالية خيالية تصل لأرقام مهولة ، وغالبية تلك المنظمات والجمعيات تعمل في مجال الإعلام وحقوق الإنسان والديموقراطية والمرأة وحقوق الطفل والتعليم والبيئة .. الخ.
مما أدى إلى خلق مشكلات وأزمات ثقة بشأن التمويل الذي تحصل عليه تلك المنظمات التي تهدف إلى تبني أجندة معينة أو القيام بدراسة بحثية ومقالات فكرية تخدم الهدف العام لذلك التمويل ، بحيث تُحدث نوعاً من التوجه الفكري والثقافي لأطياف المجتمع.
فالخطير هنا أن معظم تلك المنظمات تتخفّى في رداء حقوق الإنسان أو في رداء أهداف إنسانية واجتماعية وهو ما يثير الخوف والشكوك.
فمع أن التمويل في حد ذاته ليس بحريمة إذا كان الهدف الرئيسي منه خدمة المجتمع بدون تضليل ولا تهويل ، لكن للأسف في حالتنا الأردنية هناك تضليل ومعلومات مغلوطة ودراسات وهمية تُعطى للدول المانحة والممولة لتلك المنظمات تتهمنا بالتخلّف والتمييز وعدم قبول الآخر ، وكل ذلك مقابل حفنة من الدولارات.
إذاً الإشكالية هنا باتت في الخفاء الذي يحيط بطريقة التمويل ومصادره !!
فخروجه عن القنوات التقليدية يُدخله في شق مُبهم وسلسلة من الإتهامات من الأجندات الخارجية.
وكما هو معرف أن غالبية منظمات المجتمع المدني في الدول العربية يتمثّل دورها في تعبئة الجماهير وقيادة التغيير السياسي والديموقراطي.
وهنا أَذكّر بمقال كتبته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تمّ نُشره عام ٢٠١١ في مجلة foreign Affairs وكان عنوانه ( القوة المدنية الحربة الناعمة ، وإعادة تعريف الدبلوماسية والتنمية الأمريكية ورسم الخطوط العريضة للفكر الأمريكي الجديد ) مستغلة قوة المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية ، حيث اعتبرت كلينتون أن منظمات المجتمع المدني هي قوة ناعمة ، وأكدت أن دمج الدبلوماسية والتنمية والسلطة المدنية ينسجم تماماً مع التاريخ الأمريكي.
ودعوني هنا أيضاً أعطي مثالاً على ذلك .. والقصة حدثت في عام ١٩٩٨ حين تسربت وثيقة من جهاز الإستخبارات الأمريكي CIA والتي كانت تحمل عنوان ( تصنيف سري ومعلومات أمن قومي ) وكانت خاصة بخطة لدعم الديموقراطية في يوغسلافيا السابقة ( قبل التفكيك ) .. وكانت الوثيقة تحمل عنوان دولة صربيّة وديموقراطية جديدة ، وتمّ التأكيد بحزم في تلك الوثيقة أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال وعبر منظمات المجتمع المدني المُمَوَّلة من أمريكا ومن دول أوروبا الغربية.
فما يجري في الأردن من استفحال لعمل تلك المنظمات يثير ريبة الرأي العام من علاقاتها وتوجّهاتها السياسية والغموض في مصادر تمويلها .. ولإزالة تلك الشكوك لابد من خضوعها لرقابة أجهزة الدولة.
فلا يمكن لنا تجاهل عملها داخل الأردن بأي حال من الأحوال ، ولا يمكن عزل نشاطها عن الوجه الآخر عبر ربط تمويلها بالأجندات السياسية ومشاريع كبرى تخترق جسد الدولة وتحدث شرخاً فيه.
فالمُلاحَظ أن بعضاً من أصحاب تلك المنظمات ومسؤوليها ظهر عليهم ثراءاً مفاجئاً.
فقبل ثلاث سنوات كانت النية تتجه بإشتراط حصول الجمعيات والمنظمات الأجنبية والغير حكومية على موافقة مسبقة بشأن تمويلها ، لكن كما سمعت لاحقاً أن تلك الجمعيات تلقّت تطمينات حكومية بالتراجع عن ذلك.
علماً بأن أيّة جمعية أو هيئة أو منظمة غير حكومية داخل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا لا تستطيع الحصول على دولار واحد من خارجها دون موافقة مسبقة من السلطات الأمنية المعنية ومتابعتها لكيفية إنفاق تلك الأموال.
وأخيراً فهذا السرد يقودني إلى توجيه عدة أسئلة وهي ليست للحكومة بل للأجهزة الأمنية : عن ماهيّة الدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني داخل الأردن ؟ وما مدى تأثيره على الأمن القومي بأبعاده المختلفة ؟ وما هي اتجاهات ومصادر تمويل تلك المنظمات والجمعيات ، وما هو حجمها ؟ وهل البنك المركزي على دراية كاملة بما يحدث ؟