المعشر : بناء الأحزاب الوطنية ببرامج مقنعة للمنتسبين والناخبين
قال نائب رئيس مجلس الأعيان الدكتور رجائي المعشر أن القضايا الوطنيةُ الراهنةُ كثيرةٌ ومتشعبةٌ ومتصلةٌ بعضُها ببعض، ولكنّ ما يؤرقُ منها في هذهِ الأيامْ أمورٌثلاثة، أولها الحديثُ عن الهُويةِ الأردنية وثانيها تطبيقُ مُخرجاتِ اللجنةِ الملكيةِ لتحديثِ منظومةِ القوانين السياسيةِ على أرضِ الواقع. وثالثها غيابُ أيِ خُطةٍ اقتصاديةٍ لمعالجةِ مشكلتي البطالةِ والمديونيةِ.
ووصف المعشر جماعة عمان لحوارات المستقبل، خلال حلقة نقاشية نظمتها بأنها تمثل التنوع الثقافي والسياسي المتميز وتشكل مخزوناً كبيراً من الخبرات المتراكمة. وأضاف إن الحديثُ عن الهُويةِ الوطنيةِ الأردنيةِ كان وما زالَ من المواضيعِ التي تثيرُ الكثيرَ من التساؤلاتِ والشُبُهاتِ المتعلقةِ بتوقيتِ طرحِ هذا الموضوعِ لعلاقتِهِ بالسياسةِ العامةِ للدولةِ وموقِفِها من قضيةِ الأردنِ الأولى « القضيةُ الفلسطينية « وعلاقاتِنا العربيةِ والإقليميةِ والدولية، لذلك يتمُ الحديثُ بكثيرٍ من الحذرِ حتى لا تُفسرُ أيُ كلمةٍ خارجَ سياقِها.
وقال المعشر لقد جاء توقيت الحديث عن الهوية الأردنية بعد أن خرج علينا رجل أعمال بمقالٍ يدعو فيه إلى وحدة الضفة الغربية وغزة مع الأردن كحلٍّ لقضيتنا الأولى، وتزامن ذلك مع إقرار مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، واستخدم مصطلح « الهوية الأردنية الجامعة «، فتم تفسير المقال وتقرير اللجنة وكأنه جاء لطرح حلول للقضية الفلسطينية وأن مصطلح الهوية الجامعة يعني الهوية الأردنية والهوية الفلسطينية في إطار واحد. وبدأ الجميع في الخلط بين عملية إصلاحية أردنية محلية ومحاولات لحل القضية الفلسطينية. ونسي الناس أو تجاهلوا عن قصد موقف الأردن الثابت من القضية الفلسطينية، والذي كان وما زال حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
وأضاف المعشر أعتقد أن هذا التشكيك في مضامين الخطط الإصلاحية في الأردن، يربط مخرجاتها دائماً بمحاولة حل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، هو خوف غير مبرر وأصبح عقبة أمام البرامج الإصلاحية التي يقودها جلالة الملك للوصول إلى الأنموذج الديمقراطي الأردني كما حددته الأوراق النقاشية.
وقال: في رأيي إن الاتفاقَ على من هو الأردنيُ يشكلُ نقطةَ البدايةِ عندَ الحديثِ عن الهُويةِ الأردنية.
فالأردنيُ هو كلُ من يحملُ جوازَ السفرِ الأردنيِ ولديهِ رقم وطني، فيكونُ بذلكَ قد طلبَ حمايةَ الدولةِ الأردنيةِ والتزمَ بدستورِها ونظامَ الحكمِ فيها، ويتمتعُ بجميعِ الحقوقِ المدنيةِ والسياسيةِ التي كفِلها له الدستور الأردني.
وبعدَ الاتفاقِ على من هو الأردنيُ نحنُ بحاجةٍ إلى تعريفِ مفهومِ الوَحدةِ الوطنية: فالبعض يفهمُ الوَحدةَ الوطنيةَ على أنَها وحدةُ مكوّناتِ المجتمعِ من ناحيةٍ اجتماعيةٍ أو سياسيةٍ ضيقة، أي أن الوحدةَ الوطنيةَ تعني وحدةَ المصيرِ بين مكوّنينِ أو أكثرَ من مكوّناتِ المجتمع.
ويفهمُ البعضُ الآخرُ الوَحدةَ الوطنيةَ بأنَها تعني خضوعَ جميعِ المواطنين للقانونِ والعدالةِ بعيداً عن التمييز.
وآخرونَ يفهمونَ الوَحدةَ الوطنيةَ بأنَها الحالةُ التي يلتفُ فيها جميعُ أبناءِ الوطنِ من كافةِ المنابتِ والأصولِ حولَ ثوابتِ الدولةِ ودستورِها ونظامِ الحكمِ فيها، لذلكَ فهي ضرورةٌ لتحقيقِ دولةِ المواطنةِ والعدالةِ والمساواة. وهذا يقودُنا إلى مفهومِ الهُويةِ الوطنية:
فالهويةُ الوطنيةُ مبنيةٌ بالإضافة الى الفهمِ المشتركِ للمصطلحاتِ أعلاه فهي أيضاً مبنيةٌ على مضامينَ تاريخيةٍ واجتماعيةٍ وجغرافيةٍ تتكونُ عِبرَ حياةِ الدولةِ والمواطنِ فيها.
وقال المعشر لقد لجأ البعضُ إلى استخدامِ مصطلحاتٍ كالهُويةِ الوطنيةِ الجامعةِ للتعبيرِ عن أنَ الهُويةَ الوطنيةَ الأردنيةَ تشملُ جميعَ الهُوياتِ الفرعية. وفي رأيي أنَ هذا المصطلحَ ينطبقُ على الهُويةِ القوميةِ مثلَ القوميةِ العربيةِ التي تجمعُ في مضمونِها جميعَ الهُوياتِ الوطنيةِ في الأقطارِ العربيةِ ولا يجوزُ استخدامَ هذا المصطلحَ على الهُويةِ الوطنية. أما ما أصبحَ متعارفٌ عليه بأنَها هُوياتٍ فرعيةٌ على أسسٍ عرقيةٍ أو دينيةٍ أو مناطقيةٍ، فإنها لا تعلو على الهُويةِ الوطنيةِ بل هي في أحسنِ الأحوالِ وصفٌ لمكوّناتِ المجتمعِ في بلد ما.
وحول مخرجات اللجنة الملكية قال المعشر: ما يؤرقُ حول تطبيق مخرجات اللجنة الملكية على أرض الواقع هو غياب الإعداد المسبق لبناء الأرضية الصلبة الضرورية لنجاح التجربة. فترك الأمور على حالها دون تحديد التحديات التي تواجه الأردن وأساليب معالجتها للحوار العام يترك فراغاً هائلاً سوف يقوم على تعبئته صاحب الشعارات الأكثر محاكاةً لعواطف الناخبين على حساب المصلحة الوطنية، ونحن اليوم لا نملك ترف الوقت لمعالجة هذه التحديات معالجة جراحية.
وبين ان نجاحُ التجربةِ يعتمدُ على عواملَ عدةٍ منها: القدرةُ على قيامِ الأحزابِ في الفترةِ الزمنيةِ حتى تاريخِ إجراءِ الانتخاباتِ القادمة،وقال نحنُ اليومَ مدعوونَ لإعادةِ بناءِ الأحزابِ الوطنيةِ بعدَ فشلِ تجاربِنا السابقةِ وبخاصةٍ أنها لم تتمكنْ من وضعِ برامجَ مقنعةً للناخبينَ أو للراغبينَ في الانتسابِ إليها.
إنَ معالجةَ التحدياتِ التي تواجِه الأردنَ في الكثيرِ من مناحي الحياةِ بحاجةٍ إلى قراراتٍ صعبة، فقد سئمَ المواطنُ من المعالجاتِ الآنيةِ لهذه التحدياتِ لتعودَ بعدَ قليلٍ من الزمن لتواجِهَنا بصورةٍ أصعب، ولا أعتقدُ أنَ أيَ حزبٍ يستطيعُ طرحَ الحلولِ الصعبةِ على المواطنين ويحصلَ على أصواتِ الناخبين.
وأضاف أن نجاحَ هذه التجربةِ في تطورِ الأنموذجِ الديمقراطيِ الأردني يحتاجُ إلى قيامِ الحكومةِ بتشكيلِ لجنةٍ عليا من القطاعين العامِ والخاصْ ومؤسساتِ المجتمعِ المدني والمختصّينَ لوضعِ خُطةٍ اقتصاديةٍ اجتماعيةٍ لمعالجةِ التحدياتِ الصعبةِ التي تواجِه الأردن. وستكونُ هذه الخُطةُ نموذجاً لما يجبُ أن تكونَ عليه البرامجُ الحزبيةُ التي ستقدمُ للناخبينَ في الانتخاباتِ القادمةِ. وقد تختلفُ البرامجُ بين حزبٍ وآخرَ على ألياتِ الوصولِ إلى الحلولِ لقضايانا أو تختلفُ الفترةُ الزمنيةُ اللازمةُ لذلك،أو طرحُ بديلٍ مقنعٍ يعالجُ هذه التحدياتْ بعيداً عن الشعاراتِ الفضفاضةِ التي قد تدغدغُ عواطفَ الناخبينَ ولكنْ لا تعالجُ قضايا الوطن