(مسارات العمل الفلسطيني السياسة والسلاح) جديد د. أريج جبر
يعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بؤرة الصراع الدولي في العالم العربي والشرق الأوسط، ضمن صراع تاريخي قوامه الوجود والحدود المضمون والمكاسب، الأهداف والحقوق، وليس من المبالغة أو الافتئات على التاريخ والسياسة الإقرار بأن القضية الفلسطينية التي تجاوزت سبعة عقود منذ تاريخ نشأتها لا زالت تراوح مكانها قابعة في براثن الشد والجذب السياسي، ورهن انقسام الصف الفلسطيني وتشرذمه، وسطوة الحلول القهرية واللاقانونية المفروضة من الكيان المحتل، وتسويف المجتمع الدولي له، والتراخي أو التسليم بالأمر الواقع في الساحة الرسمية العربية .
لقد كانت القضية الفلسطينية وما زالت محور الاهتمام العربي والعالمي وركيزة السياسات على اختلافها؛ ولذلك كُرِست الجهود لمحاور الاهتمام بصفة مستمرة بغية البحث عن خارطة طريق تؤطر للحلول الناجعة والقويمة التي تحفظ قداسة القضية وفلسطين على حدٍ سواء، إلا أنها فشلت جميعها في تلبية التطلعات الوطنية المتعلقة بــتحرير فلسطين وإثبات حق تقرير المصير أو التوصل إلى حلول عادلة تتساوق مع ما أقرته الشرعية الدولية بشقّيها المؤسسيّ والقانونيّ؛ وما آلت اليه من نتائج أسهمت في تعرية الوجه الفصائلي وبواطن العمل التنظيمي «السياسي والمقاوم» وكشفت جنوحه عن خارطة العمل الوطني إلى المحاصصة واللعبة السياسية، كل ذلك أدّى إلى انكشاف الحقل السياسي الفلسطيني وإسهاماته في تمزيق ما تبقى من الوطن «فلسطين» ضمن مكتسبات سياسية محضة.
ووفقًا لذلك ما كان من الاحتلال الإسرائيلي إلا أن بلغ حد التفنن في فرض جميع سياساته بسياقات إمبريالية استعمارية لتحقيق المنظور الصهيوني في إقامة الوطن القومي لليهود، دونما الاعتراف بالحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، أو الإقرار بوجود الفلسطينيين فوق أرضهم باعتبارهم أصحاب الأرض والقضية الأقحاح، وكذلك التغاضي التام عن مقرارات الواقع المتمثل في أن حقوق الفلسطينيين لا تتجزأ ولا يمكن المساومة عليها، أو القبول بأقل منها والقفز فوق المنطق والحقائق.
الشاهد أن الموقف الإسرائيلي وتعقيداته انعكس بشكل مباشرٍ على مسار القضية الفلسطينية وتشابكاتها، فكما فرض الاحتلال الإسرائيلي نفسه على الأرض والشعب، فرض نفسه على قائمة المفاوضات وعلى فضاءات العمل الوطني الفلسطيني، ومن مخرجات لغة الاحتلال وأدواته التعارض في نسق التنظيمات الفلسطينية وخياراتها لجهة توظيف أدوات المواجهة وتوقيتها، وفي ضوء تعدد الخيارات الفلسطينية المتاحة في الماضي وفي الحاضر بمزاوجتها بين السياسة والمقاومة، تباينت تقديرات المواقف والرؤى للتنظيمات السياسية للوصول إلى خيار ناجز يوازي مسيرة الكفاح الفلسطيني وعِظَمِ القضية برمتها.
وإلى جانب لعنة الاحتلال، لا يمكن إنكار الأثر الفاعل للدور الأيديولوجي والنسق الفكري للفصائل والتنظيمات الفلسطينية وإسهاماته في خلق توجهات متباينة للتعاطي مع الاحتلال من زاويتي المقاومة أو المساومة، فقد اتّبعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني(فتح) النهج العلماني والنهج الوطني في مواجهة سياسات وتداعيات الاحتلال ، كما تمسكت بعرى المقاومة بوصفها خيارًا أصيلا في برامجها، وتماشت كذلك مع التسويات وفقًا لفهمها الواقع، في حين انتهجت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خطى القوميين العرب ومثلت لاحقا اليسار وأدواته النضالية كقوة حاضرة نحو الثورة أو للمفاضلة بين الأدوات النضالية التي تستدعي المرحلة استخدامها والتعاطي مع القضية وفقًا لها، بينما تمسكت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) برؤيتها الإسلامية وبخيار الثورة والمقاومة بشتى أركانها وعلى اختلاف مستوياتها لإحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية؛ ويمكن فهم التباينات جميعها في سياق الاختلاف التكتيكي أو تسويغه بتعارض التقديرات والحسابات في مواجهة إسرائيل، بيد أن المفارقة تبدت في أن الاختلاف بات سياسيًا ومصلحيا ووصل إلى الانقسام وتحويل مسار العداء والمواجهة والانخراط في معترك المفاوضات ؛ مما شكل تراجعا مشهودا أسهم بالانكفاء عن النضال والمقاومة والاكتفاء بتفاهمات مرحلية، أسهمت جميعها بشكل أو بآخر في تأكيد مزاعم وأعمال الاحتلال المستعرة نحو تفريغ فلسطين من مضمونها السياسي والديمغرافي .
لذلك أتي هذه الكتاب بغية التعرف إلى رؤية تنظيمات المقاومة الفلسطينية لقضيتي الصراع والتسوية مع إسرائيل من أوسلو إلى صفقة القرن كدراسة مقارنة: فتح ، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حماس.