السودان إلى أين؟
حمادة فراعنة _بدون موافقة قوى الحرية والتغيير في السودان وعدم رضاها توصل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى اتفاق سياسي جديد مع قائد العسكر والجيش عبد الفتاح البرهان يوم الأحد 21/11/2021، لإعادة تشكيل الحكومة، واطلاق سراح المعتقلين، ومحاكمة الذين تورطوا بقتل المتظاهرين المحتجين على الانقلاب العسكري الذي قاده البرهان مع نائبه حمديتي يوم 25/10/2021.
قوى الحرية والتغيير وخاصة أحزاب الأمة والاتحادي والبعث والشيوعي والمؤتمر الوطني، والنقابات المهنية، ومؤسسات المجتمع المدني، ترى أن هذا الاتفاق يشكل غطاء لشرعية لانقلاب العسكر، ومواصلة نفوذهم وتسلطهم، وسيطرتهم الأحادية على السودان، وأن حكومة المدنيين التي ستتشكل من شخصيات مستقلة غير حزبية برئاسة حمدوك تعني إبعاد الأحزاب السياسية عن مؤسسات صنع القرار، من المجلس السيادي المشترك، ومن الحكومة، والتلاعب بصيغة الوثيقة الدستورية التي سبق وأن صاغها الطرفان العسكر مع قوى التغيير، ولذلك ستكون حكومة المستقلين بمثابة مظلة فاقدة القدرة على قيادة السودان نحو التغيير الديمقراطي، وعدم الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، ولن تُعيد الجيش إلى ثكناته، بل ستبقيه حاكماً صاحب القرار، يقود السودان بأداة مدنية غطاء لخياراته السياسية نحو التطبيع مع المستعمرة والتعاون مع الاتجاهات الإقليمية المعادية للخيار الديمقراطي والتعددية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
الذين رحبوا بالاتفاق على الأغلب، عبروا عن فرحهم وخيارهم بدعم حكم العسكر، وأثنوا على إبعاد الأحزاب والنقابات وخياراتها الديمقراطية، لقناعاتهم أن قوى الحرية والتغيير إذا ترسخت في إدارة السودان ونجحت، ستكون بمثابة موجة تنتشر وتتسع كغيوم المطر لتروي حاجة الشعوب المحيطة التواقة للتغيير والديمقراطية والتعددية وتداول السلطة على أساس الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، بما يتعارض مع مصالحهم وانظمتهم غير الديمقراطية.
أصحاب الأفق الضيق يتوهمون أن الشعوب تفهم المدنية على أنها تعني بدلة أنيقة، ربطة عصرية، قميص منشى، تغيير الحزام، التخلي عن الفوتيك العسكري، وتشغيل بعض المثقفين والكتبة والمستشارين المتسلقين كما فعل العديد من قادة الانقلابات في أفريقيا والعالم العربي.
الشعوب تفهم تماماً وتدرك أن المدني يعني التخلص من الأحادية والتفرد وسيطرة الفرد والعائلة واللون الواحد، وقبول الأخر والتعددية القومية والدينية والمذهبية والفكرية، وسيادة القانون، وتداول السلطة، والاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع وإفرازاتها، وغير ذلك تضليل ودهلزة وضحك على ذقون البشر والناس والشعوب.
ليست المرة الأولى التي ينجح العسكر في حكم السودان، وخطف السلطة وتغيير إرادة السوادنيين فقد سبق وفعلها: 1- الجنرال إبراهيم عبود عام 1958، 2- جعفر نميري عام 1969، 3- عمر البشير عام 1989.
وها هو عبد الفتاح البرهان يُعيد التجربة وتكرار ما سبق وفعلوه من قبله بأشكال وأدوات مماثلة تحت عناوين ومفردات مختلفة، ومضامين جوهرها واحد: التفرد والهيمنة والتسلط واللون الواحد.
شعب السودان الذي سبق أيضاً وأن أسقط أنظمة العسكر وتسلطهم، سيتمكن بالاحتجاجات الشعبية، والتضحيات والجبهة الوطنية، والأئتلاف الواسع من التعددية الحزبية والنقابات المهنية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات المستنيرة، مسنودين بثقة الأغلبية من شعبهم، اختيار الطريق والأدوات السلمية والأدوات والأفعال الاحتجاجية المناسبة لاستعادة كرامته وحقه الطبيعي المشروع في النظام الوطني الديمقراطي كما يستحق.