المشهد السياسي بين التناغم والتباين
حازم قشوع _ليس من السهل ادخال مجتمعات المنطقة بعلاقات طبيعية وروابط التنمية وتجارية من دون انهاء الملف المركزي السياسي للمنطقة الذى يشكله الملف الفلسطيني الاسرائيلي فان الدخول من الباب الاقتصادي لا يعنى انتهاء الملف السياسي وان ابرام الاتفاقيات التجارية واعلاء سقف العوائد لا يعنى تحقيقها لان الموضوع وهو عقائدي وليس سياسي فان تفهمت القيادات العربية طبيعة المشهد السائد فان هذا لا يعنى ابدا اقرارها الضمني بالسيادة الاسرائيلية على الاراضى والمحتلة وكان هذا الاستنتاج عند بيت القرار الاسرائيلي فهو استنتاج ناقص وغير صحيح .
فلن تقبل مجتمعات المنطقة اعتبار اسرائيل دولة وتتعامل معها بصفة عضو عامل من دون انهاء ملف الاحتلال وبيان الحكومة الاسرائيلية عن حدودها التى مازلت غير معرفة لا بالامم المتحدة ولا معلنة حتى فى الكنيست الاسرائيلي لان المجتمعات العربية لن تقبل فكرة الدخول بعلاقات طبيعية مع الشعب الاسرائيلي من دون خطوات ملموسة وجادة تبتعد فيها اسرائيل عن المواربة المشوبة بالريبة بتعاطيها مع مجريات المشهد العام وهى السياسات التى دأبت اسرائيل على اتخاذها منذ اطلاق عملية السلام فلا حققت انجازا يشرعن وجودها من الباب السياسي ولا انجزت مناخا يعزز من عامل الثقة الذى قد يجعل من سياساتها سياسات صديقة للمجتمعات العربية وبقيت اسرائيل ترواح مكانتها بين منزلة العدو الشعبى الى منزلة العدو الصديق الرسمي وهذا لم يمكنها من تشكيل حالة يمكن البناء عليها وكل الذى قامت طيلة سنوات التفاوض كان يتمثل برسم دوائر افتراضية فلا علت لها بنيان ولا استدلت على طريق السلام .
ومع الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة بالانسحاب التيكتيكي وانتقال القوة الاستراتيجية من الدافع النووي الى المانع البيولوجي واشتداد مشهد الترسيم بالايقاع الجيوسياسي وما يواكبه من مد النفوذ فان اسرائيل اصبحت بحاجة للعمق العربي من باب التحصين الاستراتيجي كونها مرفوضة شكلا عند المركز الايراني والمركز التركي لكنها تمتلك بالعمق العربي باب مازال مواربا للدخول وهذا ما يجعلها حريصة الى الاحتماء فى الحاضنة العربية وهو ما جعلها تخرج من عقلية القلعة التى كانت تؤمن بها وتعيد انتاج وجودة فى المشهد العام من على استراتيجية تلتزم فيها بقواعد المشاركة لكنها تريد صياغتها على مقاييسها ومن على ايقاعها وهذا ما جعل العلاقات العربية الاسرائيلية تعيش اجواء
بين التناغم والتباين حيث باتت القائمة على مناخات بين التتاغم والتباين.
وهو ما كان له انعكاسات عميقة اثرت على طبيعة المشهد العام وجعلته يقف على مفترق حاد بين الخطاب الرسمي الذى جاء بخطاب عقلاني متفهم لمعادلة الضوابط والموازين لكنه مشوب بتوجس والبيان الشعبي الذى اخذت تعبيراته فى مجملها تكون صامتة الرافضة التى تعلم بان اسرائيل ستبقى تنتظر الاجواء المواتية لتفرض ايقاعها واطراف المعادلة المشاركة كما المتداخلة يعملون ضمن ايقاع من التباين والتناغم وهذا ما يجعل المشهد العام بظاهره هادىء فى طياته فيه ما يمكن قوله بالتوقيت الملائم .
والاردن الذى يعمل بدبلوماسية وازنة فيها من المرونة ما يجعلها تمتد وتستطيل الى درجة كبيرة لكنه يبقى يشكل عنوان الشجرة العربية ذات الجذور الضاربة بالتاريخ والثابتة على القيم والمبادىء التى شكلت للاردن ومجتمعه عقيدة راسخة ومتوافق عليها ومتفق حولها فالثابت يبقى ثابتا والمتغير يبرزه ميل الاغصان بسبب الرياح العاتية واما الجذور فستبقى ثابتة وتسقى من عين المجد وتعلو بقيادة راسخة.