دستورية اتفاقية الغاز .. ماذا بعد؟

د. ليث كمال نصراوين
أسدلت المحكمة الدستورية الستار على الجدل الواسع الذي امتد لسنوات حول مدى الحاجة لعرض اتفاقية الغاز على مجلس الأمة للتصديق عليها، حيث قضت في قرارها التفسيري الصادر عنها بالقول: إن الاتفاقيات التي تستلزم موافقة مجلس الأمة عليها بموجب المادة (33/2) من الدستور هي التي يكون طرفاها حكومات من أشخاص القانون الدولي العام، وبأنه يخرج عن هذا الإطار أي اتفاقية تعقد بين الحكومة وأشخاص طبيعيين أو معنويين، أو بين أشخاص معنويين فيما بينهم، كما هو الحال في اتفاقية الغاز.
 
إن تفسير المحكمة الدستورية لأحكام التصديق على الاتفاقيات الدولية يعد تأكيدا للاجتهادات السابقة التي أصدرها المجلس العالي لتفسير الدستور، والذي أفتى في قرارات سابقة بعدم إلزامية عرض أي اتفاقية على مجلس الأمة ما لم تكن مبرمة بين دولتين أو أكثر.
 
إن المتابع لقرارات المحكمة الدستورية منذ إنشائها يجد بأنها قد كرست مبدأ دستوريا قوامه احترام التفسيرات السابقة التي قدمها المجلس العالي لتفسير الدستور. فهذه هي القضية الخامسة التي استندت فيها المحكمة الدستورية إلى ما سبق وأن تقرر من تفسيرات صدرت عن المجلس العالي لتفسير الدستور. ففي قرارها التفسيري رقم (8) لسنة 2013 المتعلق بتفسير المادة (117) من الدستور، قضت المحكمة الدستورية بعدم الحاجة لقانون تصديق خاص باتفاقية امتياز المطار، وذلك تأكيدا لما جاء في القرار التفسيري رقم (1) لسنة 2012 الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور.
 
وفي قرارها التفسيري رقم (1) لسنة 2015 الخاص بتفسير المادة (120) من الدستور حول كيفية إنشاء الإدارات اللامركزية، أكدت المحكمة الدستورية على ما جاء في قرار المجلس العالي رقم (1) لسنة 1965 حول عدم جواز إنشاء الإدارات المركزية بقانون.
 
أما في الحكم الدستوري رقم (3) لسنة 2017 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية بخصوص مفهوم المنفعة العامة لغايات الاستملاك، فقد بنت المحكمة الدستورية حكمها برد الطعن على القرار التفسيري الصادر عن المجلس العالي رقم (1) لسنة 2003 الذي وسع من صلاحيات مجلس الوزراء في التصرف بالأرض المستملكة على النحو الذي يراه مناسبا لتحقيق المنفعة العامة.
 
وفي الحكم الصادر رقم (6) لسنة 2018 المتعلق بالدفع بعدم دستورية قانون الكهرباء المؤقت لسنة 2002 استندت المحكمة الدستورية إلى القرار التفسيري للمجلس العالي رقم (2) لسنة 2012 حول الأثر الفوري المباشر للمادة (94) من الدستور فيما يتعلق بوجوب إقرار القوانين المؤقتة خلال دورتين عاديتين متتاليتين من قبل مجلس الأمة. إن هذا الالتزام التام من المحكمة الدستورية بالاجتهادات السابقة التي أصدرها المجلس العالي ينفي أي أبعاد سياسية عن الحكم الصادر باعتبار اتفاقية الغاز دستورية، وبذلك تنتقل الكرة إلى ملعب مجلس النواب لكي يمارس صلاحياته الرقابية للضغط على الحكومة لغايات تعديل بنود هذه الاتفاقية أو إلغائها.
 
* أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية