من أطلق الرصاص على وصفي التل؟
فارس الحباشنة _من قتل وصفي التل ؟ كان حادث اغتيال وصفي التل في القاهرة اثناء مشاركته في اجتماع مجلس وزراء الدفاع العرب قبل نصف قرن « 50 عاما «بالضبط حدثا جوهريا ومفصليا في تاريخ الاردن المعاصر، والقى بظلاله على ما بعده .
و بعد نصف قرن مازال السؤال عن قتلة وصفي التل بلا اجابة .. ومحط اعتراض في تاريخ الاردن المعاصر ..
الوزير السابق والسياسي الاردني الكبير الراحل طارق مصاروة وجه اتهاما للرئيس القذافي، وقال انه يقف وراء عملية اغتيال وصفي التل في القاهرة .
تصريحات مصاروة تعود لقبل عشرة اعوام .. ولم يقدم مصاروة وثائق في عملية الاغتيال، وبقدر ما هو اتهام سياسي للقذاقي الذي كانت تربطه علاقات قوية بفصائل فلسطينية، وان النظام المصري كان يحسب الف حساب للقذافي الداعم النفطي السخي للفصائل الفلسطينية .
وقال مصاروة ان منفذي عملية اغتيال التل ادوات بيد القذافي .. ووجه اتهامات الى النظام المصري بانه كان متواطئا مع القتلة الذين دخلوا المطار بسلاحهم، وتم القاء القبض عليهم من الامن المصري، وتم اعادة السلاح لقتلة وصفي التل وسمح لهم بالدخول الى الاراضي المصرية، وتنفيذ جريمتهم البشعة .
و قبل مشاركة وصفي التل في مؤتمر الدفاع العربي المشترك وحادثة اغتياله وصلت تحذيرات واشارات امنية تؤكد بان حياة وصفي التل في خطر، وان سفره الى القاهرة ومشاركته في المؤتمر قد يعرضه الى التصفية والاغتيال .
و في اكثر من سردية بدا كل شي محتملا حول مصير التل قبل ان يغادر الى القاهرة . وخصوم وفرقاء وصفي التل صاحب مشروع الجبهة الرابعة والدفاع العربي المشترك كانوا يتربصون به، وينتظرون لحظة اصطياده في عقر دار خصومه « القاهرة « في السياسة والموقف من القضية الفلسطينية
و الفصائل القتالية، وحرب ايلول في الاردن .
وصفي التل تحول الى حالة قلق اردنية .. فرقاء عرب كثيرون كانوا يلهثون وراء دم التل، ويلهثون وراء تصفيته .
التل ساهم في تدشين الدولة الاردنية، والمؤسسات ودولة الرعاية الاجتماعية، وبناء البيروقراط والادارة العامة،و التعليم والصحة والنقل والزراعة والتنمية المستدامة وتحديث الجيش .
وتبنى التل مشروع المقاومة والجبهة الرابعة، وكان التل يرى ان اسرائيل هي العدو المركزي للامة العربية . وهي نظرية خالفت ما رائج من نظرية تسوق على اعتبار ان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية عند العرب . ففي النظرية الاولى، تخضع القضية الفلسطينية والشان الفلسطيني كله ـ كما الاردني والعربي ـ لاعتبارات الصراع غير القابل للتسوية مع الكيان الصهيوني، اما في الثانية، فينفتح باب امكانية تسوية ذلك الصراع في حل ما ـ المرجو ان يكون ‘عادلا’ ـ للقضية الفلسطينية.
نسب لوصفي التل انه ادار تسوية تاريخية بين المعارضة الوطنية والنظام السياسي . وادار التل مشروعا طموحا في بناء قطاع عام اقتصادي وتطوير البنى التحتية، وتاسيس اول جامعة والخدمات الطبية الملكية، وتحديث البيروقراط والجيش، والاستعانة بابناء الطبقات الهامشية من عشائر وفلاحين وزراء ومدراء عاميين وامناء عاميين، وكان هذا التيار مغيب ومنسي ومضطهد سياسيا .
مازال الاردنيون يقبضون ثمن فلسفة العدالة الاجتماعية التي دشنها التل في ادارة الدولة .. وبقدر ما استطاع ان يشيع في حكم الدولة من قيم :العدالة والمساواة واعلاء من قيمة المواطن الاردني والتمسك بالوحدة الوطنية، والاستقلال والتحرر الوطني الاردني .ماذا تبقى اليوم من مشروع وصفي التل ؟
واين دور الاردن الاقليمي، ونظرية الامن الوطني الاردني ؟
ما بعد اغتيال وصفي التل ؟ لربما ان السؤال التحليلي الادبي في رواية تيسير السبول « انت منذ اليوم « ..والحوار ما بين بطل الرواية «عربي « والسارد، وبداعي الياس والاحباط من اتمام مشروع المقاومة والتحرر ودوي هزيمة 67 انتحر عربي « بطل الرواية «، وهو عنوان عريض لانتحار تجربة وحقبة وجيل من وطنيي المقاومة .
وبغض النظر عن اي اسرار وخفايا وكواليس في قصة اغتيال وصفي التل .. المقتول هو مشروع وصفي التل في بناء الدولة الاردنية .. والقاتل مازال يسل سيفه ويوجه بندقيته الماجورة ضد الاردن دولة ووطنا وشعبا ..
من بعد وصفي التل لم تتوقف الرصاصات وتوالى اطلاق النار، وهذا هو الثابت والمطلق في الاردن الراهن .. وانا متاكد ان قاتل وصفي التل صوب رصاصه على المستقبل والمصير، وصوب رصاصه على بناء دولة العدل والحق، دولة القوة،و الاردن الذي نحب ونريد ..