هوية المواطن في القطر الأردني مشروع قراءة جديدة
د. سعيد التل
تمهيـــد
هوية المواطن مرتبطة بمحصلة انتماءاته، وهذه مرتبطة بثقافتة، وثقافة المواطن محددة بمكونين رئيسيين : الدين واللغة.
حددت اللغة العربية حدود الوطن العربي في العالم الاسلامي، فلو سلكت إيران مسلك مصر، وحلت العربية محل الفارسية. مثلما حلت العربية محل القطبية، لأصبحت إيران مثل مصر قطر عربي، ولأصبح الشعب الإيراني شعب عربي
الأمة العربية تشكلت بالإسلام واللغة العربية من أمم وشعوب وأقوام توطنت، فيما يعرف بالجغرافية السياسية المعاصرة بالوطن العربي.
الجد الرابع والاربعين للمواطن العربي، وهو الجد الذي عاش في عهد الرسول عليه السلام، كان، وفي الغالب الأعم مسيحياً. وإذا لم يكن كذلك فهو إما مجوسياً أو يهودياً أو وثنياً.
الأمة العربية أمة واحدة بثقافتها بصورة عامة، وبالمكونين الرئيسين في هذه الثقافة، وهما: الإسلام كفكر وتراث وحضارة، وللمسلمين عقيدة، واللغة العربية كوسيلة للتواصل والتفكير وكحافظة للتراث.
يمكن القول أن ما يعرف بالجغرافية السياسية المعاصرة بالوطن العربي، كان موحداً في إطار الدولة الإسلامية.
يتشكل الوطن العربي، ونتيجة عوامل تاريخية وجغرافية وديمغرافية وسياسية، من اثنتين وعشرين قطراً، لكل قطر نظامه السياسي الخاص به. وأن الأمة العربية تتشكل من اثنتين وعشرين شعباً، لكل شعب انتماءه الوطني في إطار انتمائه القومي.
الوحدة العربية ليست شعاراً رومانسيا نحلم ونتغنى به، إن الوحدة العربية واقع يجب العمل على تحقيقه، ذلك إن مستقبل الامة العربية وأمنها واستقرارها وتطورها وازدهارها لا يمكن ان يتحقق الا بوحدتها. وبالوحدة العربية ستكون الأمة العربية أمة ذات مكانة مرموقة في العالم، قادرة على المساهمة في أمنه وتقدمه وازدهاره.
قد تكون مسيرة الدول الأوربية التدرجية في تحقيق وحدتها وفي انشاء الاتحاد الأوربي نموذجاً يمكن الاستفادة منه كثيراً في تحقيق الوحدة العربية. ويمكن القول أن الاتحاد الأوربي دولة اتحادية تحافظ فيه كل دولة منضوية تحت رايته، بنظامها السياسي، كما يحافظ شعب كل دولة بهويته الوطنية .
يمكن القول ان مجلس التعاون لدول الخليج العربية، خطوة قيمة جداً في مسيرة الوحدة العربية، وحبذا أن يكون هذا المجلس قدوة لأقطار كل اقليم من أقاليم الوطن العربي كي تؤطر نفسها في مجلس تعاون يضمها.
في إطار الانتماء القومي العربي، أصبح الانتماء الوطني، بمعنى الانتماء للقطر أرضاً وشعباً، بعداً في هوية المواطن في جميع الأقطار العربية.
هوية المواطن في القطر الأردني، كهوية المواطن في أي قطر عربي، محددة بانتماء قومي للأمة العربية، وفي إطار هذا الانتماء، انتماء وطني للقطر الأردني أرضاً وشعباً.
القطر الأردني أحد اقطار بلاد الشام، وبلاد الشام تشكل الجناح الغربي لإقليم الهلال الخصب، وإقليم الهلال الخصب يشكل أحد أقاليم الوطن العربي الخمسة.
إن ما يعرف بالجغرافية السياسية المعاصرة بالقطر الأردني كان، ومنذ اكثر من ألفي سنه، وحتى بداية العقد الثالث من القرن الماضي، جزءاً من بلاد الشام وكان مواطنوه جزءاً من مواطني بلاد الشام.
في بنية الانتماء القومي للمواطن العربي بصورة عامة، وللموطن الاردني بصورة خاصة، انتماء لفلسطين ولشعب فلسطين، ذلك أن قضية فلسطين قضية قومية عربية وقضية وطنية اردنية، من منطلق أنها ترتبط بأرض عربية مغتصبة ويجب أن تستعاد، وشعب عربي مشرد يجب أن يعود إلى وطنه مهما طال الزمن ومهما بلغت التضحيات.
في بنية الانتماء الوطني للمواطن في جميع اقطار بلاد الشام بصورة عامة، وللمواطن الاردني بصورة خاصة، انتماء لبلاد الشام ارضاً ومواطنين. إن الشعب الأردني كان جزءاً من مواطني بلاد الشام وان القطر الاردني كان جزءاً من أرض بلاد الشام منذ اكثر من عشرين قرن وحتى بدايات القرن الماضي.
إن مستقبل ومصير وأمن واستقرار وتقدم الشعب الأردني مرتبط، بمستقبل ومصير وأمن واستقرار وتقدم الشعب الفلسطيني والعكس صحيح جملة وتفصيلاً
يتطلب النضال القومي العربي من أجل استعادة ارض فلسطين المغتصبة، وعودة مواطنيها المهجرين عنها إليها، المحافظة على الهوية الوطنية الفلسطينية، والمحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني على ارض فلسطين وفي الشتات تحت مظلة قيادة واحدة موحدة.
الحركة القومية العربية، التي بشرت بها جمعيات ومنتديات وحركات عربية كانت، بالإضافة إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية السيئة في الولايات العربية في دولة الخلافة الإسلامية عاملاً مهماً في انطلاق الثورة العربية الكبرى في 10 حزيران سنة 1916، وهذه الثورة نادت بوحدة العرب وحريتهم واستقلالهم.
لقد خذلت الدول الاستعمارية الغربية هذه الثورة وافشلتها في تحقيق اهدافها. وبدلاً من قيام الدولة العربية الواحدة المستقلة، اخضعت هذه الدولة الوطن العربي لسيطرتها بعد ان مزقته. فسيطرت فرنسا على ما يعرف بالجغرافيا السياسية المعاصرة القطر المغربي والقطر الجزائري والقطر التونسي. وسيطرت ايطاليا على القطر الليبي، وسيطرت بريطانيا على القطر المصري والقطر السوداني. كما تم السيطرة على القطر الصومالي والقطر الارتيري والقطر الجيبوتي من قبل الدول الاستعمارية فرنسا وبريطانيا وايطاليا. وبعد الحرب العالمية الأولى سيطرت فرنسا على القطر السوري والقطر اللبناني، كما سيطرت بريطانيا على القطر الأردني والقطر الفلسطيني والقطر العراقي واقطار الخليج العربي وجنوب القطر اليميني. باختصار يمكن القول أن جميع اقطار الوطن العربي، باستثناء القطر السعودي والقطر اليمني، كانت تحت سيطرة الدول الاستعمارية الأوروبية بشكل أو آخر.
لقد رفض مواطنو هذه الأقطار هذه السيطرة واستطاعوا وبعد نضال أخذ اشكالاً مختلفة، من تحقيق استقلال اقطارهم باستثناء القطر الفلسطيني الذي ما يزال تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي.
إن تقسيم الوطن العربي الى أقطار أدى إلى تقسيم الأمة العربية الى شعوب. وكما تطور عند مواطني الوطن العربي انتماء قومي للأمة العربية تطور عند مواطني كل قطر عربي، وفي إطار انتمائهم القومي، انتماء وطني للقطر أرضاً وشعباً. ولقد ساعد على تطور هذا الانتماء الوطني النضال من أجل الاستقلال، كما ساعد على ذلك الأجيال التي ولدت ونشأت في الإطار الوطني. هذا، ولا يمكن تجاهل المشاعر واحياناً المصالح التي تطورت عند مواطني كل قطر من أقطار الوطن العربي نحو قطرهم. بالنسبة للقطر الأردني، فمن المعروف أن الدولة الاردنية قامت على أساس مبادئ الثورة العربية الكبرى في الحرية والوحدة والاستقلال. ولقد ظلت هذه المبادئ هي القاعدة الرئيسية التي تقوم عليها سياسة الدولة الأردنية وطنياً وقومياً وعالمياً. من جهة اخرى ظل القطر الأردني يدعو للوحدة ويعمل بها وبكل السبل الممكنة. وظل الأردن يدعو ويعمل لوحدة أقطار بلاد الشام فيما عرف بمشروع سورية الكبرى. وهنالك شواهد كثيرة على ذلك. ففي الأول من شهر تموز سنة 1940 اصدر مجلس الوزراء الأردني قراراً تحت رقم ( 337 )، جاء فيه ما يلي: « إن البلاد السورية بحكم وضعها الجغرافي ومواردها الطبيعية لا تتحمل على البقاء من الناحية الاقتصادية، الآن نعيش كياناً واحداً تتساند اجزاءه معاً. ولقد دلت الحوادث السابقة على أن أي حاجز يفصل بين هذه الأجزاء من شأنه ان يسبب قلقاً واضطراباً في الحياة السياسية، ويؤثر في الناحية الاقتصادية تأثيراً سيئاً.
وجاء في رسالة بعث بها المغفور له الملك عبد الله الأول الى الرئيس السوري ناظم القدسي بتاريخ 28/1/1950، قبوله بوحدة بلاد الشام تحت ظل اي نظام بقوله : « إذا اخترتم الجمهورية فإني راض بها، وإن قررتم الملكية فلا مانع لدي، وإذا رأيتم الاتحاد الاستقلالي أفضل نزلت على رغبتكم»
عند بحث موضوع القطر الأردني والوطن العربي لابد من التطرق إلى موضوع الوحدة العربية. بدايةً لابد من التأكيد أن لا احترام ولا كرامة للعرب في العالم إلا بوحدتهم، كما أن لا تقدم ولا ازدهار ولا منعة لهم إلا بوحدتهم. من هذه المنطلقات وغيرها تبرز أهمية موضوع الوحدة العربية.
مع كل الاحترام والتقدير لجميع الأفكار المتعلقة بالوحدة العربية، ومع كل الاحترام والتقدير لجميع مشاريع الوحدة العربية، فيمكن القول، أن الوحدة الأوربية، قد تكون انموذجاً جيداً للاستفادة منه، هذا مع العلم أن واقع الدول العربية فيما يتعلق بمرتكزات الاتحاد أفضل بكثير من واقع الدول الأوربية التي حققت هذا الاتحاد. فالشعوب العربية بصورة عامة موحدة في الدين واللغة، في حين أن الشعوب الأوروبية المنضمة في الاتحاد مختلفة في المذاهب واللغات. من جهة أخرى، أن أي تفكير في الوحدة العربية، مستفيدين من مشاريع الوحدة العربية التي فشلت، ولابد من أن يأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:-
1. الديموقراطية، بمعنى الا تتم الوحدة أو الاتحاد بين قطرين عربيين أو أكثر، إلا بإرادة ومشاركة شعبيه. إن عصر التفكير بتحقيق الوحدة بالقوة، كما فعل بسمارك في تحقيق الوحدة الألمانية، قد ولى والى الأبد.
2. التدرجية، بمعنى التمهيد للوحدة بين قطرين او أكثر من خلال التعاون وتعميق التعاون. لقد قامت الوحدة الأوروبية على أساس السوق الأوروبية المشتركة، وهذه السوق بدورها قامت على أساس تنظيم صناعة الحديد والفحم.
3. المرحلية، بمعنى القبول بمبدأ تحقيق الوحدة العربية على مراحل، من منطلق أن وحدة أي قطرين عربيين أو أكثر هو خطوة في تحقيق الوحدة العربية. إن الظروف، بأبعادها المختلفة، والتي ساعدت بسمارك على تحقيق الوحدة الألمانية دفعة واحدة لم تعد قائمة او مقبولة.
4. الضرورة، بمعنى أن الوحدة العربية لم تعد ترفاً أو هدفاً رومانسياً، بل يجب أن ينظر لها على أنها قومية للأمة العربية، أقطاراً وشعوباً. أن أغلب، إذا لم يكن كل التحديات التي تعيشها أقطار الوطن العربي وشعوبها ما كانت لتتعاظم، ولا يمكن أن تستمر في إطار الوحدة العربية.
5. الواقعية، بمعنى القبول بواقع الوطن العربي وواقع الأمة العربية كما هو الآن وليس هو كما كان. الوطن العربي يتشكل من اثنتين وعشرين قطراً، ولكل قطر نظامه الخاص، والأمة العربية تتشكل من اثنين وعشرين شعباً ولكل شعب وفي إطار انتمائه القومي العربي، انتماء وطني للقطر ارضاً وشعباً. هذا الواقع يفرض أن يؤخذ بعين الاعتبار، عند وحدة قطرين عربيين أو أكثر، الأنظمة التي تسود هذه الأقطار، كما يفرض هذا الواقع ان يؤخذ بعين الاعتبار الهوية الوطنية لشعوبها. في الاتحاد الأوروبي، تحتفظ دول هذا الاتحاد بأنظمتها، كما تحفظ شعوبها بهويتها الوطنية.
ومن جهة أخرى، إذا ما اتفق على أن المنهج الذي سلكته الدول الأوربية في تحقيق وحدتها هو النهج الذي يمكن أن يكون قدوة لنا من أجل تحقيق الوحدة العربية. وإذا ما أخذت الاعتبارات الانفة الذكر بالحساب، فيمكن القول أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية خطوة مهمة جداً في مسار الوحدة العربية المنشودة، كذلك يمكن اعتبار أن هذا المجلس يمكن أن يكون نموذجاً لأقطار كل إقليم من أقاليم الوطن العربي، لكي تتأطر في مجلس تعاون يضمها.
إن أقطار إقليم الهلال الخصيب: الأردني والسوري والعراقي والفلسطيني واللبناني، أكثر أقاليم الوطن العربي حاجة إلى مجلس تعاون يضمها، لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية التي تعيشها في الوقت الحاضر.
إن القطر الأردني، الذي قام على أساس مبادئ الثورة العربية الكبرى في الحرية والوحدة والاستقلال، ظل ومنذ تأسيسه يدعو ويعمل من أجل الوحدة العربية، منطلقاً من وحدة أقطار بلاد الشام فأقطار الهلال الخصيب فالمشرق العربي.
قد تكون الأوضاع في الوطن العربي في الوقت الحاضر غير مناسبة من ناحية عملية لطرح موضوع الوحدة العربية، إلا أن أهمية الوحدة العربية وضرورتها تفرض أن يبقى موضوعها ( مطروحاً) و (حياً)، في الحياه العامة السياسية في الوطن العربي، وبقدر الإمكان، حتى تزول الغمة التي تظلل أغلب ارجاء الوطن العربي.
القطر الأردني وبلاد الشام
ظلت بلاد الشام، وكما ذكر، موحدة منذ اكثر من ألفي عام، حتى بدايات العقد الثاني من القرن العشرين. وخلال هذه الفترة، أخذت كلمة الأردن، والأرض التي تعرف بالأردن، أبعاداً وأسماءً مختلفة. ففي العهد البيزنطي، وكما ذكر، كان الأردن، وفق التقسيمات الجغرافية السياسية المعاصرة، بصورة عامة، يشمل شمال القطر الفلسطيني وشمال القطر الأردني. ولقد استمر هذا الوضع بعد الفتح الاسلامي، وخلال الخلافة الراشدية والخلافة الأموية وأوائل الخلافة العباسية، وبعد ذلك أخذت التقسيمات الإدارية بلاد الشام أشكالاً مختلفة. وعند نهاية الحرب العالمية الأولى كان القطر الأردني جزء من ولاية دمشق التي كانت تشمل جنوب ووسط القطر السوري.
بعد نهاية الحرب العلمية الأولى، وقبل ن تخضع بلاد الشام للتقسيم والاستعمار، تأسس على أرض هذه البلاد، وربما لأول مرة تاريخهاً دولة واحدة مستقلة. ففي الثامن من آذار سنة 1920 عقد ممثلون عن جميع مواطني بلاد الشام مؤتمراً في دمشق وأعلنوا تأسيس دولة واحدة في هذه البلاد باسم المملكة العربية السورية، وبايع هؤلاء الممثلون الأمير فيصل بن الحسين ملكاً عليها. واتخذت هذه المملكة علماً لها وهو علم الثورة العربية الكبرى، بعد أن أُضيف إليه نجمة سباعية دلالة على أقسام هذه المملكة الإدارية، والتي اطلق عليها أقاليم وهي : إقليم البلقاء، إقليم دمشق، وإقليم حلب، وإقليم السويداء وإقليم اللاذقية، وإقليم القدس، وإقليم بيروت. وظل القطر الأردني يرفع هذا العلم تأكيداً على أنه جزء لا يتجزأ من بلاد الشام، وأن الشعب الأردني جزء من مواطني هذه البلاد.
لم يتح للمملكة العربية السورية الاستمرار، فبعد معركة ميسلون 24 تموز 1920 سقطت هذه المملكة وأعيد توزيع أقاليمها السبعة وبصورة عامة على أربعة أقطار، وذلك على النحو التالي: شكل إقليم البلقاء القطر الأردني، وشكل إقليم دمشق وإقليم السويداء وإقليم حلب وإقليم اللاذقية، القطر السوري، وشكل إقليم القدس القطر الفلسطيني وشكل إقليم بيروت القطر اللبناني.
وبعبارة أخرى، تتشكل بلاد الشام في الوقت الحاضر من أربعة أقطار هي: القطر الأردني، والقطر السوري، والقطر الفلسطيني، والقطر اللبناني، وتقوم على أرض كل قطر من هذه الأقطار دول مستقلة هي الدولة الأردنية، والدولة السورية والدولة الفلسطينية والدولة اللبنانية. وعلى أساس هذه التقسيمات قسم مواطنو بلاد الشام إلى أربعة شعوب هي الشعب الأردني والشعب السوري والشعب الفلسطيني والشعب اللبناني وينتسب مواطنو كل شعب إلى القطر الذي يعيشون فيه. هذا الواقع، ومع أن عُمره حوالي قرن من الزمان، إلا أنه واقع طارئ على بلاد الشام أرضاً وبشراً.
لقد ظلت الاتجاهات العقلية والوجدانية لمواطني أقطار بلاد الشام تؤكد أن بلادهم هذه موحدة رغم تقسيمها من قبل القوى الاستعمارية البغيضة والظالمة. وانطلاقاً من هذه الاتجاهات لم يجد المواطن الشامي أي مبرر يحول دون أن يتوطن في أي قطر من اقطارها باعتبار أن أي قطر هو جزء منها وهذا الجزء جزء من كل واحد.
وتأكيد على هذه الحقيقة هنالك مواطنون أردنيون وفدوا إلى القطر الأردني من جميع أنحاء بلاد الشام. فعلي سبيل المثال، فآل الحلبي من حلب، وآل الحمصي من حمص، وآل الحموي من حماه، وآل الادلبي من ادلب، وآل البيروتي من بيروت، وآل الطرابلسي من طرابلس، وآل الحيفاوي من حيفا، وآل اليافاوي من يافا، وآل القدسي من القدس، وآل الصفدي من صفد، وآل السلفيتي من سلفيت، وآل النصراوي من الناصرة وغيرهم كثيرون. هذا علاوة على عائلات أردنية وفدت إلى القطر الأردني وحافظت على كنيات عائلاتها . وهذا الواقع مكرر، بصورة أو أخرى في أقطار بلاد الشام الأخرى.
والمواطن الأردني، ومن منطلق الاتجاهات العملية والوجدانية الآنفة الذكر، والتي تقوم على أساس وحدة بلاد الشام ووحدة مواطنيها، لم يميز نفسه عن أي مواطن أردني وآخر من أقطار بلاد الشام، فعلى سبيل المثال، إن عدد رؤساء الحكومة الأردنية منذ تأسيس الدولة الأردنية وحتى الآن اثنين وأربعين رئيساً منهم أربعة عشر رئيساً من القطر الأردني وأربعة وعشرين رئيساً من اقطار بلاد الشام الأخرى.
ولعل واحد من الأمثلة المعبرة عن وحدة بلاد الشام ووحدة مواطنيها عشيرة التل، العشيرة التي انتمى إليها. فامتدادات هذه العشيرة تتواجد في القطر الأردني والقطر السوري والقطر اللبناني، ويتواجد امتداد لهذه العشيرة في القطر الفلسطيني وتحمل اسم آخر. إن هذا المثال، أو صورة عنه، ينطبق على نسبة كبيرة جداً من مواطني بلاد الشام.
(5) الخاتمة
خلاصة القول، إن هوية المواطن في القطر الأردني تتماثل، وبصورة عامة، مع هوية المواطن في أقطار الوطن العربي الأخرى. فالأساس الرئيسي لهوية المواطن في جميع أقطار الوطن العربي هو الانتماء القومي للإمة العربية والواحدة، والذي يقوم على أساس الثقافة العربية. وكما هو معروف ان مرتكزي الثقافة العربية الرئيسان اثنان: أولهما الإسلام كحضارة وفكر وتراث، وبالنسبة للمسلم عقيدة، وثانيهما اللغة العربية اداة التواصل والتفكير وحافظة التراث.
بالنسبة للمواطن في القطر الأردني، فلقد تعزز الانتماء القومي وتميز بالثورة العربية الكبرى، التي حمل رسالتها والتي جاهد في سبيل تحقيق أهدافها، في الحرية والوحدة والاستقلال. هذا ولا يزال الشعب الأردني يؤمن بمبادئ الثورة العربية الكبرى، ولا يزال يحمل شعاراتها. إن المادة الأولى من الدستور الأردني تؤكد أن الشعب الأردني جزء من الأمة العربية، كما أن موضوع وحدة الأمة العربية من المواضع المهمة في مناهج التربية والتعليم الأردنية.
وفي بنية الانتماء القومي للمواطن في القطر الأردني، وبالتالي في هويته، انتماء للقضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى والرئيسية، ذلك انها قضية أرض عربية اغتصبت، ونسبة كبيرة من شعبها شردت عن أرض وطنها. من جهة أخرى، وعلاوة على الروابط القومية والجوار الجغرافي التي تجمع بين الشعب الأردني والشعب الفلسطيني، فإن العدوان الصهيوني الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، ومترتبات هذا العدوان، عمق العلاقة بين هذين الشعبين العربيين وجعل منهما اسرة واحدة. من هذا المنطلق يمكن القول أن مستقبل الشعب الأردني وأمنه واستقراره وتطوره وازدهاره مرتبط بالشعب الفلسطيني، والعكس صحيح جملة وتفصيلاً. إن هذا الواقع، يفرض ان يظل الشعب الأردني الداعم الأول والمشارك الرئيسي للشعب الفلسطيني في نضاله من أجل تحرير وطنه وإقامة دولته المستقلة عليه وعاصمتها المدينة المقدسة.
وفي إطار الانتماء القومي العربي، وكما تطور عند كل مواطن في كل قطر من أقطار الوطن العربي انتماء وطني للقطر الذي ينتسب إليه، أرضاً وشعباً، تطور عند المواطن في القطر الأردني انتماء وطني أردني ينتسب للقطر الأردني وللشعب الأردني.
وفي بنية الانتماء الوطني للمواطن في القطر الأردني وبالتالي في هويته الأردنية، انتماءه لبلاد الشام، هذا الانتماء الذي يتشارك فيه مع مواطني أقطار بلاد الشام الأخرى: القطر السوري والقطر الفلسطيني والقطر اللبناني. فعلاوة على الروابط القومية والعربية العميقة التي تجمع بين مواطني أقطار بلاد الشام الأربعة، هنالك تاريخ مشترك، يمتد لأكثر من اثنتين وعشرين قرناً جمعهم هذا الواقع وحافظ على استمرار المجتمع الشامي موحداً، رغم تقسيم بلاد الشام إلى اقطار أربعة.
خلاصة الخلاصة وباختصار، هوية المواطن في القطر الأردني تتماثل تماثلاً كاملاً مع هوية المواطن في اقطار الوطن العربي الأخرى. فالمواطن في القطر الأردني، عربي بانتمائه للأمة العربية الواحدة وبالوطن العربي الواحد، وفي إطار انتمائه القومي، المواطن الأردني أردني في انتمائه للشعب الأردني القطر الأردني
واخيرا وليس آخراً، إن العبارة التي تقول : «الإسلام ديننا والعربية لغتنا، والجزائر وطننا» كانت شعار الثورة الجزائرية المجيدة التي حررت القطر الجزائري الشقيق من براثن الاستعمار الاستيطاني الفرنسي البغيض. إن هذا الشعار لا يشكل في الوقت الحاضر قاعدة هوية المواطن الجزائري ورمز وحدته بل يمكن اعتباره ايضاً قاعدة هوية المواطن في جميع أقطار الوطن العربي. وعلى سبيل المثال، «الإسلام ديننا والعربية لغتنا، والأردن وطننا « تشكل مرتكزاً هوية المواطن في القطر الأردني.