مفهوم الحوار..وضرورة قبول الرأي اﻵخر.
مفهوم الحوار..وضرورة قبول الرأي اﻵخر.
نايف المصاروه.
الحوار هو التواصل والحديث والنقاش ،بين طرفين أو أكثر،لتقريب وجهات النظر بينهما ،بما هو مختلف عليه،او ﻹتمام ما تم أتفق عليه سابقا ،والوصول إلى إتفاق وحل نهائي يرضي المتحاورين.
هناك فرق بين الحِوار والجِدال ،فالحِوار من المُحاورة والغرض منه الوصول إلى حل يوصل إلى حق .
أمّا الجِدال فهو تعبير عن شعور مختلف،قد يكون ﻹحقاق حق ،وقد يكون جدالا باطلا،لمحاولة طمس معالم الحق.
بعد أن نفذت نقابة المعلمين وقفتها اﻹحتجاجية، على الدوار الرابع يوم الخميس الماضي 5/9/201،وما نتج عنها من احداث مؤسفة ومؤلمة،لا تليق بالمعلم ومكانته،ولا بالحكومة وهيبتها.
بعد إعلان نقابة المعلمين عن اضرابها المفتوح ،والذي تمثل بعدم دخول المعلمين إلى الغرف الصفية،وعدم القيام بأية واجبات مدرسية ،إلا حين تحقيق مطلبهم ، بالحصول على الزيادة التي تم اﻹتفاق عليها سابقا مع الحكومة.
ودخول اﻹضراب حيز التنفيذ ،منذ أكثر من اسبوع ،وفي أغلب مدارس المملكة ،مما سبب شللا كاملا للعملية التعليمية.
بصدق محزن جدا..ومؤلم أكثر، حال المدارس تخلو من الطلبة في بداية العام الدراسي.
ومنذ بداية اﻷزمة بين الحكومة وبين نقابة المعلمين،اعلنت الحكومة أن أبوابها مفتوحة للحوار،وأن أي معضلة او مشكلة تحل بالحوار.
وبالمثل أعلنت نقابة المعلمين من جهتها عن ذلك أيضا، وكررته بعد حديث جلالة الملك مؤخرا،فأعلنت عن مبادرة للحوار المفتوح ،وبدون أي شروط مسبقة.
تكرر كثيرا مصطلح ''الحوار''،من خلال تكرار محاولات حل الخلاف،ورأب الصدع،وتقريب وجهات النظر،وبالرغم من تدخل الوسطاء، كرئيس مجلس النواب وبعض النواب وبعض ذوي الطلبة،ولكن باءت جميع المحاولات بالفشل.
والسبب في ذلك، إصرار نقابة المعلمين من جهة،على استمرارها بتنفيذ اﻹضراب، لحين تحقيق مطلبها المالي بدون شرط،وعدم تقديمها ﻷية تنازلات ،وكذلك إصرار الحكومة ممثلة بوزارة التربية من جهة أخرى،على عدم اﻹستجابة لمطلب النقابة،بحجة عدم توفر المخصصات المالية،في بداية اﻷمر،ثم بحجة ربط زيادة المعلمين بالتميز والأداء،أو بما يسمى بالمسار المهني،وهو ما أصر وأكد عليه ايضا رئيس الوزراء مؤخرا،من خلال ظهوره المفاجئ وتصريحه بذلك ،على شاشة التلفزيون اﻷردني.
وهنا أسأل ..أين كان دولته،منذ يوم الخميس الماضي ،فلم يظهر مطلقا، ولم يعلق ولو بكلمة ،على ما حدث للمعلمين،على الدوار الرابع،ولماذا لم يتدخل هو شخصيا، في أي حوار مع نقابة المعلمين،ولماذا لم يعلق على إضراب المعلمين وأضراره على الطلبة..!
التصريح اﻷخير للرئيس الرزاز عبر شاشة التلفزيون،والذي اعتبره البعض مستفزا ،قابلته نقابة المعلمين،بتصريح مشابه،اعلنت من خلاله،إصرارها على اﻹضراب،إلى حين اﻹستجابة لمطلبها المالي،كما أعلنت عن نيتها تنفيذ خطوات تصعيدية اشد قسوة...!!
ونيتها عن تنظيم فعالية أخرى ،لﻹحتجاج على الدوار الرابع يوم الخميس القادم،وأعلنت... عن بقاء باب الحواااار مفتوحا.
هنا أقول...إن قبول وزارة التربية،على زيادة المعلمين المشروط ،يعني أن المخصص المالي متوفر ولا مشكلة فيه.
ولكن شرط الزيادة المقترن باﻷداء والتميز ،او ما يسمى بالمسار المهني،هو سبب الخلاف الذي ترفضه نقابة المعلمين.
وأقول أيضا،ان شرط ربط الزيادة للمعلمين بالتميز واﻷداء،هو شرط رأئع وجميل ونؤيده، ونتمنى العمل به، ﻷنه سينعكس إيجابا ،على المعلمين فيما بينهم ،من ناحية التنافس على التميز واﻷداء،وأيضا سينعكس ايجابيا على أداء الطالب وتحسن مستوى تحصيله العلمي .
ولكن تبرز هنا جملة من التساؤلات..منها.. هل شرط ربط الزيادة باﻷداء والتميز متحقق على جميع موظفي الحكومة،أم هو شرط مفصل للمعلم بشكل خاص ؟
والسؤال اﻵخر ..لماذا لم يتم التحاور مع النقابة سابقا على ربط الزيادة باﻷداء والتميز ؟
ولماذا لم يعلن عن هذا الشرط إعلاميا إلا هذه اﻷيام؟
والسؤال المهم.. هل هذا الشرط منصوص عليه في نظام الخدمة المدنية ام هو طارئ !
من خلال متابعتي اﻹعلامية والصحفية الحثيثة،لكل ما ينشر عن نتائج الحوار واللقاءات،بين الحكومة ونقابة المعلمين،شعرت أن ما يجري هو للجدال أقرب من الحوار،والدليل أن كلا الطرفين يدعي قبوله للحوار،ولكنهما يرفضان كل الحلول،وكل منهما يصر على موقفه،ويرفض ما يطرحه الطرف اﻵخر.
واقول أيضا،إن الهدف من أي حوار،هو الوصول الى الحلول المباشرة،أو لإيجاد حلّ وسطيّ يُرضي الجميع،وبحسب أقوال رئيس لجنة التربية النيابية.د.ابراهيم البدور ،فإن هذا اﻻمر تحقق الى حد ما، ولكن نقابة المعلمين أصرت على موقفها ومطلبها،بالزيادة دون تقديم أي تنازلات.
وسؤال لنقابة المعلمين،اين هي اﻹستجابة لدعوة جلالة الملك،وأين هي مبادرة الحوار وما كان الجديد فيها....غير كلمة الحوار..؟
ولماذا اﻹصرار على الزيادة دون شرط؟
ولماذا لا يتم تقديم تنازل ولو جزئي يظهر جدية المبادرة والرغبة في الوصول إلى حل ؟
وهنا اقول ..لماذا لا يتم تجزئة مبلغ الزيادة المطلوب ،فتقسم الى قسمين مثلا، منها 20% تضاف على الراتب اﻷساسي،ومنها 30 %تكون للأداء والتميز مثلا... فما المانع من القبول..؟
هنا أذكر ببعض الشروط،التي ينبغي توفرها عند المتحاورين،قبل الشروع في أي حوار منها: - اﻹستعداد النفسي الكامل،للدخول في حوار جاد وحقيقي ومسؤول،وتوفر الرغبة اﻷكيدة على الخروج بنتائج إيجابية، مرضية او مقبولة،تخدم أحد الطرفين،ولكن بتوافق وتراضي كليهما .
فهل هذا الشرط متوفر عند النقابة أو وزارة التربية،أشك بذلك،والدليل أن إضراب المعلمين وإمتناعهم عن التدريس،مضى عليه أكثر من إسبوع،ولم نرى أية حلول ،فأين الرغبة اﻻكيدة للخروج بنتائج إيجابية أو مرضية؟
وأين الحوار الجاد والمسؤول الذي يجعل من المصلحة العامة هي غايته اﻷولى واﻷسمى؟
ولماذا يصر كل طرف على رأيه؟.
ومن المستفيد من هذا اﻹصرار والتعنت... ومن الخاسر؟.
وأين تغليب وتقديم المصلحة العاااامة...على المصلحة الخاصة؟.
- وأما الشرط الثاني فهو ،ضرورة تخلي كلا الطرفين ،عن اﻷحقاد وشعور الكراهية تجاه اﻵخر ،وترك كل اﻻفكار السلبية واﻷراء المتشنجة التي لا تخدم الحوار بين الطرفين،والإستعداد لقبول الحلول المناسبة واﻹعتراف بها.
وهنا اسأل ...هل تخلت نقابة المعلمين عن شعورها باﻹهانة ،بعد الذي تعرض له بعض منتسبيها يوم الخميس الماضي ،على الدوار الرابع ،وما نتج عنه من اعتقال لأكثر من مئة معلم!
والدليل على الشعور باﻹهانة ..ولا أقول غيرها..هو رفع شعارات داخل أسوار المدارس ومن قبل المعلمين ،بضرورة إقالة وزير الداخلية!
وهل تناست نقابة المعلمين،تسويف وزارة التربية،وعدم التزامها بزيادة رواتب المعلمين بناء على اﻹتفاقية الموقعة منذ عام 2014.
في ظل هذه اﻹنطباعات والمشاعر،كيف تكون لغة الحوار...والقلوب ملئى...ولا أقول غير ذلك.
- وأما الشرط اﻷخير فهو...ضرورة أن يتمتّع المتحاورين بالمرونة، لتقبّل حقائق جديدة كانوا يظنّونها غير قابلة للنقاش أو المَسّاس بها.
وهنا اسأل أيضا ...أين المرونة...عند الجهة الأقوى أداريا وماليا وهي وزارة التربية..فلماذا ترفص تنفيذ ما إلتزمت به ووقعت عليه سابقا ،ولماذا لم تفي بوعدها السابق بزيادة المعلمين تدريجيا...دون قيد او شرط؟
والسؤال ذاته أيضا موجه لكل المعلمين،فأقول..بما أن نقابتكم أسست لتطوير مهنة التعليم واﻹرتقاء بها ،فلماذا ترفضون شرط ربط الزيادة بالتميز واﻷداء للمعلم؟
اليس ذلك سببا لحصول التنافس النوعي واﻹيجابي في العملية التعليمية،وعلى ضوءه يكافئ بها المجتهد، ويحرم منها المقصر؟
والقول المهم ...لماذا ندعي قبولنا للحوار. .ونصر على موقفنا...ولا نقدم أية تنازلات!.
وهنا اقول....بما أننا دولة قانون ومؤسسات ،فإن القول الفصل لاي خلاف ،يجب أن يكون للقانون،فبعد أن وصلت كل محاولات الحوار إلى طريق مسدود ،لماذا لم تلجأ الحكومة ونقابة المعلمين ،إلى القضاء المختص للفصل في بينهما؟
قبل الختام أعود للقول إن نقابة المعلمين.. أسست للإرتقاء بمهنة التعليم وتطويرها ،وهذا يستدعي أن تكون علاقتها بكل الجهات الرسمية والخاصة ذات العلاقة ،علاقة تشاركية لا تصادمية،وان تكون قدوة للنقابات ومؤسسات المجتمع المدني اﻷخرى،واﻷهم ان تكون قدوة للأجيال الذين يتخرجون من المدارس..،فالواجب على كل منتسبيها، أن يحرصوا على نقش الخير ودعوة الخير، في نفوس تلاميذهم.
وعلى الحكومة ان تعي جيدا...أن كثرة الضغط يولد إنفجار،وأن كثرة الشد''ترخي''، وأن التشدد في غير موضعه هلكة،وأن الصراع الدائر بين الوزارة والنقابة ،حتما سيولد أجيالا، لا تعرف للحق طريق،ولا تعرف للحوار سبيلا .
والشواهد قدوة للمشاهد!!
وهنا أسال...كيف سيكون حال الاجيال القادمة،وممن هم على مقاعد الدراسة حاليا،وما هي التصورات عند من تعطلت دارستهم ،بسبب اﻹضراب للمطالبة بالحقوق....وكيف سيكون مفهوم الإنتماء للوطن ؟
وكيف ستكون نظرتهم المستقبلية، للحوار او حل اﻷزمات، او كيف ستكون طريقة تعاملهم مع الغير او مع الحكومات ؟
على الجميع أن يعي ويدرك تماما، أننا مستهدفون..ولنا عدو صهيوني محتل ونجس،لا يعرف الكلل ولا الملل ،دأئم الكيد والتخطيط،جعل من إحتلال المزيد من اﻷرض ،سببا للدعاية ،فالغاية عنده تبرر الوسيلة ،ولا يزال يتوسع ويطمع بالمزيد ،وهذا يستدعي أيضا أن نكون على حذر أكثر وحرص أكبر ،وعلى الجميع أن يغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
وقبل الختام....على الحكومة ونقابة المعلمين كذلك، ان يكونا أكثر وعيا ،وأكبر قبولا وإحتواءا للآخر،واشد حذرا وأكثر حرصا، فالوطن للجميع، والمعلم والطالب..هم ابناء الوطن وهم جنده وحراسه وبناة مستقبله.
وما نزرعه اليوم سنحصده غدا،فليس هناك غالب أو مغلوب،فلا داعي للتشنج،او محاولة الظهور بمظهر اﻷقوى، فبالمحبة والتلاقي على الخير ،تكون الغلبة للوطن كله ،وبالمشاحنة والمصادمة،يكون الوطن كله مغلوب.
وأشدد على دعوة الحكومة، الى ضرورة اغتنام فرصة ما تبقى من أيام، للدخول مع نقابتي اﻷطباء والمعلمين، في حوار جاد ومسؤول بعيدا عن اﻹستفزاز والتشنج وصنع اﻷزمات،مطلوب حوار جاد وحقيقي ومسؤول ،يجنبنا شر الويلات والفتن القادمة،التي يلوح سنا برقها في اﻷفق.
وعلى الحكومة كذلك اﻹستعداد الفعلي لما هو قادم ،فأعتقد أن اﻹحتجاجات ستكثر والمطالبات ستكون أكثر .
ختاما أقول..هناك دول تتعرض لكوارث عظمى وأزمات كبرى،كالفيضانات والحرائق والبراكين والزلازل والحروب وغيرها ،ورغم ذلك تتعامل معها الحكومات، بكل جرأة وتفاعل وإنسيابية،ودون اي خوف أو تخبط او تقوقع، للحفاظ على سلامة اﻹنسان اولا ،ثم الحفاظ على الممتلكات والمقدرات.
بكل أسف لدينا حكومة ،ثبت فشلها مرارا،فهي غير قادرة على حل أزمة عادية مع نقابة ،فكيف لها أن تدير أزمات او كوارث اكثر أو اكبر لا قدر الله ...؟
اكرر نصيحتي السابقة ...أستقيلوا...هو أفضل لكم ولنا.