سِلَال البيض الإيراني والضربة الإسرائيلية

الدكتور: رشيد عبّاس
أيدولوجيتنا تقول وبكل أمانة أننا لسنا مع إيران وفي نفس الوقت نحن ضد إسرائيل من الألف إلى الياء, واعرفُ أن ذلك فيه شيء من الازدواجية في حالة لسنا مع وفي نفس الوقت ونحن ضد, ومع كل هذا وذاك نحن شرقيو الاتجاه, فعند استيقاظنا من النوم صباحاً وباستمرار ننظر إلى جهة الشرق بالفطرة وبعفوية واضحة, وتعلمنا في جغرافيا المدرسة أن تحديد الاتجاهات يبدأ عادةً من جهة الشرق, ثم أن آيات القرآن الكريم قد جمعت بين لفظ المشرق والمغرب معاً في مواطن عديدة, وأن الله عز وجل قد قدّم المشرق على المغرب بطريقة مباشرة, ولا شك أن في هذا دلالات وإشارات معينة لا يمكن تجاهلها على الإطلاق.
من أيام بسيطة فرغتُ من قراءة رواية ويلسون المغفّل للأمريكي مارك توين, الرواية فيها عبر ودروس كثيرة جداً, حيثُ تشير الرواية إلي استبدال طفلين متشابهين جداً بسرية عالية في احد المستشفيات لحظة الولادة, حيث كانا يعودا إلى أسرتين مختلفتين في مستوى المعيشة, الأسرة الاولى أسرة سوداء فقيرة جداً ومن طبقة كادحة, والأسرة الثانية أسرة بيضاء غنية جداً ومن طبقة أرستقراطية, حيث عاش الطفل الذي يعود للأسرة السوداء في الأسرة الأرستقراطية, وفي نفس عاش الطفل الذي يعود للأسرة البيضاء في الأسرة الكادحة بعد استبدالهما بطريقة سرية للغاية ودون معرفة احد.. وكان ما كان عندما كبرا وذلك لعدم المراقبة! لتخرج هذه الرواية بحكمة أمريكية مفادها: (ضع بيضك في سلة واحدة لكن عليك مراقبتها وحراستها جيداً), والغريب في الأمر أن هذه الحكمة تخالف تماماً الحكمة الإنجليزية الشهيرة والمعروفة للجميع والتي تقول (لا تضع جميع بيضك في سلة واحدة).
يبدو أن إيران نهجت نهج عدم وضع جميع بيضها في سلة واحدة, حيث وزعت مفاعلاتها الذرية والتي قد يزيد عددها عن الـخمسة عشر مفاعلاً ذرياً في مواقع متعددة, وهذا بالتأكيد اربك ويربك الساسة والعسكريين الإسرائيليين عند التفكير في توجيه ضربة عسكرية سريعة لإيران, هذه الضربة المتوقعة هذه الأيام والتي ربما لا ولم توافق عليها أو تدعمها أمريكا سياسياً على الأقل ولحسابات معينة, في الوقت الذي تدرك فيه إسرائيل تماماً أن هناك خيارين امامها لا ثالث لهما, الأول تأخير الضربة والذي قد يؤدي إلى امتلاك إيران للسلاح النووي والذي سيهدد حتماً إسرائيل لاحقاً, أو الإسراع بالضربة وتعطيل اكتمال برنامج إيران النووي مع تلقيها ردة فعل ربما تكون مدوّية ومرعبة وقاسية.
إسرائيل لها تجارب حربية في جنوب لبنان وبالذات مع حزب الله اللبناني والذي أستخدم في كل مرة تكتيكاً يقضي بعدم وضع جميع بيض حزب الله في سلة واحدة, حيث لجأ هذا الحزب إلى توزيع مقاتليه على شكل مجموعات صغيرة وعديدة, بحيث يصعب التعامل مع هذه المجموعات الصغيرة من قبل الإسرائيليين, وحدث ما حدث لإسرائيل كنتائج غير متوقعة للحرب, والحقيقة التي لا تقبل الشك أن القوات الغازية تحاول دائماً أن تكون أهدافها المنشودة ظاهرة للعيان وموجودة في مكان واحد محدد, كي توفر في ذلك الجهد والوقت والتكلفة ودقة الإصابة ما امكن ذلك.
أعتقد جازماً أن نظرية الإنجليز في عدم وضع البيض في سلة واحدة تصلح في الحروب أكثر من نظرية الأمريكان والتي تقضي بوضع البيض في سلة واحدة مع ضرورة مراقبتها وحراستها جيداً, وهذا ربما ينسحب على شؤون حياتنا اليومية في ضرورة عدم وضع آمالنا ومشاعرنا وهمومنا وأموالنا وممتلكاتنا.. في مكان واحد, أو في زاوية واحدة, أو في جهة واحدة.
وبعد..
الدروس المستفادة من كل ذلك ترمي إلى ضرورة أن يكون لنا أكثر من مصدر واحد للماء وبالمثل للكهرباء وكذلك الغاز والنفط إلى غير ذلك من المصادر الحيوية الضرورية للمجتمع وللدولة.