سخرية سوداء
فارس الحباشنة _في رواية « الطريق» لنجيب محفوظ اكتشفت البطلة «كريمة» ان العهر والابتذال اقوى من الحب ، وان الحب ليس من اهواء الروح بل انه من علامات» قيام الساعة « ،ووقعت في «علاقة شرعية» ابخس من العهر مع تسعيني قدميه على حافة القبر .
واشبه بعلاقة نوم ، بمعنى الرقاد ، ياتيها العجوز بساعات مبكرة من الليل ، وهي غافية جسدها عارق ، يملا عينيه من جمالها ويناجيها همسا وصمتا ، و يسارع بالانصراف قبل ان تستفيق ، و غالبا ما تتظاهر، وهو يتغزل بها بالنوم ، و يروي على مسامع نومها حكايات ، ويتظاهر ايضا بانه مصدق انها غافية .
تفاصيل بعيدة ، و العقدة ، شهوة عجوز تتحول الى حب عذري ماجور . وعلى عتبة العمر انهارت في غفتلين : غفلة النوم ، و غفلة الهوس الاخير .
تواطؤ بين المطلع و القفلة ، وبين العفو و المحكوم ، وتمثيلية ، يلعب كل طرف دورا من وراء ستار ، وقد يكون الحب في تاريخ الانسانية ليس الا تمثيلا ، ومع هذا في كل عرض جديد تتجدد انفاس العالم .
المراة النائمة لا تثير شهوة الا العجزة و المرضى ، العري خرافة لا تثير الجمال ، و لا غواية و اثارة، الرغبة تسكن في الخيال ، وتشعلها حركة جسد المراة بروحها اليقظة.
نجيب محفوظ امتاز بطراوة اللغة و الحكائية المفرطة ، و انطبع بالواقعية الساحرة و العجائبية .
ولربما محفوظ اكثر روائي عربي استغرق في الوصف و استلقى يغرف من احاديث المقاهي و الشوارع والحانات ، ثراء سردي لا متناهي لحكايا رواياته ، وكان الحاكي «الراوي « هابط من السماء .
و من يقع في سخرية نجيب محفوظ يخجل احيانا من الواقع . لا يبالغ بالسخرية و لكن يخرج الكامن من العواطف الانسانية دون مزاح و ضحك ، و ان صح القول و الوصف ، فهي « سخرية سوداء» .