صناعة الأمن، وصناعة الخوف..
كتب: أنس صويلح
لن أنصب نفسي خبيراً مثل كثير ممن أقضوا مضاجعنا وأقلقوا راحتنا، خبراء استراتيجيون، وبائعو كلام مُدّعون، لم يشهدوا في أزمنتهم حتى معركة نمل، ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الحقيقة، واكتفوا بأضغاث أوهام أقرب للخيال.
ولا أستثني نفسي هنا، أنا كاتب هذه السطور، فأنا لا املك إلا قلمي وعقلي، إنما أزعم أني باحث عن حقيقة تستمد وعيها من مصادر قويمة، تكيل المجريات بميزان العقل، لا في معرض ردّات فعل "فيسبوكية" إذا الريح مالت، مالت حيث تميل.
بالأمس القريب، خرجت واحدة من أعرق المؤسسات البحثية في العالم وتدعى "غالوب"، لتقول لنا من وراء البحار، بأن الأردن من أكثر بقاع الأرض أمناً، وأن الأردنيين من بين الأكثر ثقة برجال أمنهم، وذلك حسب بيانات جمعتها المؤسسة من 115 دولة في العالم.
مؤسسات أخرى ومراكز دولية وازنة من بينها المشروع الدولي للعدالة في واشنطن، والمعهد الدولي للسلم والاقتصاد في سيدني، أجمعت في تقاريرها ومؤشراتها للعام 2021 على قفزات نوعية حققها الأردن في مجال الأمن والسلم المجتمعي، ليعزز موقعه في طليعة دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط أمنا، على الرغم من تصنيف ذات الإقليم بالأخطر على مستوى العالم، ليغرد الأردن خارج سرب الإقليم عندما يتعلق الأمر بالسلم والأمن.
مؤشرات لا بد من دراستها لنوثق للعالم صناعة الأمن التي أبدعتها أجهزتنا الأمنية التي صنفتها وثائق الأمم المتحدة بالأكثر مساهمة في مهام حفظ السلام الدولية على مستوى القوات الأمنية لسنوات طويلة، بما يثبت وبصورة علمية محايدة مدى تطور الأجهزة الأمنية الأردنية واحترافيتها.
وفي الصورة الأوسع نجد أن صناعة الأمن حرفة أردنية قائمة على موروث أردني أصيل قام على تآلفٍ ونخوةٍ وشجاعة، وعلى ثقةٍ سائدة بين رجال الأمن والمجتمع الذي وضع خيرة أبنائه في صفوف أجهزة أمنية يعتبر الانتساب لها فخراً اجتماعياً وموضع احترام.
وفي الأثناء، ما زال يطل علينا أشخاص امتهنوا صناعة الخوف، "يهرفون بما لا يعرفون"، وفي كل واد يهيمون، ليبيعوا الكلام بثمن بخس وبلا بينة أو دليل، وليكونوا سبباً في بث الإشاعة وصناعة الخوف في المجتمع.
أكاديمية تخرج على شاشة فضائية لتقول أن الأردنيين لا يتفاهمون إلا بالقتل، فتشعر عند سماع كلماتها بأن الأردنيين في الشارع يقتل بعضهم بعضاً، بينما لو عادت هذه الأكاديمية إلى البيانات الرسمية المحلية والدولية، لوجدت أن الجرائم في الأردن انخفضت في الوقت الذي زاد به تعداد السكان، وهو إنجاز يسجل للأمن العام.
بائع كلام يدعي أنه إعلامي، ولا أدري في أي ركن هدايا يوزعون الألقاب، يخرج في "لايفات" ومقابلات أقل ما توصف بالساذجة، لا يتوافر بها أدنى مواصفات العمل الصحفي والإعلامي، مستهدفاً زرع الشك وبث الخوف.
وليتبين بعد البحث بأن ما يقرب من ثلث الإشاعات التي ضربت وسائل التواصل الاجتماعي كانت إشاعات تستهدف الأمن، وكأن صناعة الخوف أضحت هدفاً لدى البعض، في الوقت الذي يتعين على مديرية الأمن العام كما - عهدنا عنها- بيان بطلان الإشاعات بالحجة الدامغة لتعود السكينة إلى النفوس.
وبين صناعة الأمن التي برع بها الأردنيون، وصناعة الخوف التي انهارت فوق صلابة ثقتنا بأجهزة الأمن، يخيب كل مدعٍ أثيمٍ ويتوه كل جاهل طالب للشهرة على حساب صورة المجتمع الأردني المتكاتف الآمن، لنستذكر قول الله تعالى في محكم التنزيل: "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم، كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون"