تراجع الطموحات
عامر طهبوب _أجريت خلال عملي في «القبس» الكويتية، تحقيقاً موسعاً حول البحث العلمي والتنمية الاقتصادية، في ست حلقات متتالية، نشرت الأولى منها يوم السبت السادس والعشرين من أيار عام 1990، أي قبل 69 يوماً من دخول القوات العراقية للكويت، ذلك اليوم المشؤوم الذي كان البداية الأولى لحالة تفكك في الجسد العربي، نعاني حتى يومنا هذا من تداعياته.
شمل التحقيق 11 شخصية كويتية بارزة، من بينها وزير المالية الصديق الراحل جاسم محمد الخرافي، ووزير التعليم العالي الدكتور علي الشملان، ووزير المواصلات عبد الله الشرهان، والشيخ إبراهيم الدعيج الصباح رئيس الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية، والدكتور علي أكبر مساعد مدير جامعة الكويت للأبحاث، وغيرهم من رجالات معهد الكويت للابحاث العلمية.
كنت في ذلك الوقت من عمري متحمساً لفكرة أن تنهض الدول العربية في مجالات الأبحاث العلمية التطبيقية، ولذلك أعدت البحث في الموضوع على الساحة الأردنية، وأجريت عدة حوارات كان من أبرزها آنذاك، حواري مع معالي محافظ البنك المركزي الدكتور زياد فريز.
وجدت خلال دراساتي أن البحث العلمي في اليابان على سبيل المثال، ينفق عليه ما يقارب من 7 بالمائة من مجموع الدخل القومي، ومعظم هذا الإنفاق يخرج من جيب القطاع الخاص، وهناك أمثلة عديدة على دول أنفقت مبالغ تتعدى النسب المتعارف عليها دولياً، والتي على الدول إنفاقها على البحث العلمي، ومن بين هذه الدول إسرائيل، فهي تنفق أعلى مما تنفقه الدول العربية مجتمعة.
لم أعد اليوم أفكر في هذا الشأن، ولا أعتقد أن أي إنفاق يمكن أن تخصصه الدول العربية، يمكن أن يغير من معادلة تخلف تعيشه في هذه المجالات، فما جرى في العالم من تطور في البحث والتطوير، جعل الهوة تزداد أكثر من أي وقت مضى بين الشرق والغرب. لم يعد يفيد التوجه لمثل هذا الأمر ونحن نعاني مشكلات أساسية في تدبّر سبل العيش، وارتفاع نسب البطالة، وغير ذلك من مشكلات مالية واقتصادية تجابهها حتى الدول الأكثر غنى في العالم العربي، إضافة إلى معضلات عدم استقرار وصراعات ما زالت قائمة في غير دولة عربية، تبحث عن أمنها، أو هويتها، أو وحدتها وتماسكها.
يبدو لي البحث العلمي عندما تنخفض جودة التعليم، وتزداد نسب الفقر درب رفاهية وهدر، تماماً كأي دولة تغرق في فوضى، ويهجّر مواطنوها، وتتحدث نخبها عن الديمقراطية والتعددية السياسية، وتدور دوامة حول من يسبق الآخر، رغيف الخبز أم الديمقراطية. الحرية، أم الاستقرار.
كل ما هو مطلوب في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ هذه الأمة، هو منع التفكك، أو وقف التفكك، أو وقف الانهيار، أو وقف الدماء، ووقف حركة النازحين، وتأمين لقمة العيش، وتحقيق الأمن والسلم الأهلي. الطموحات قلّت، كل شيء قلّ، أصبحنا أكثر تواضعاً، وأقل طموحاً وحماساً. أصبح المواطن العربي من طلاب الستر فقط، كل ما يريده لقمة عيش، ومزيد قليل، من الحرية واحترام الحقوق الأساسية، إلى أن يغير الله الحال إلى حال أفضل من هذه الحال.