كل تصفيرة وفيها خيرة

سعيد الصالحي

تشير الساعة الرقمية في بداية كل عام الى الاصفار الاربعة فالأرض قد صفرت عداداتها وأنطلقت برحلتها السنوية الجديدة القديمة والتي تقوم بها منذ سنوات بكل نشاط رغم نمطية الرحلة وطقوسها التقليدية وبيرقراطية انقلاباتها واعتدالاتها، تقوم بهذه الرحلة متتبعة المسرب المحدد لها على المسار الطويل وملتزمة كذلك بالسرعة المحددة لها على الطريق الذي تحفظه عن ظهر قلب، تلتزم بالسرعة من تلقاء نفسها لا خوفا من رادارات شرطة السير الكونية ومخالفات تجاوز السرعة، ولا بسبب حرصها على تجنب الحوادث للمحافظة على تصنيف فحصها بأربعة جيد وبدون أي دقة على الرأس .

كل عام تعبر ذات الطريق الاهليجي صاعدة بعزم محركاتها وهابطة مستعينة بكوابحها وغياراتها العكسية، منذ آلاف السنين وحافلة الارض تدور بركابها في هذا الفضاء الواسع، وركاب هذه الحافلة تماما كالاعداد تختلف قيمهم باختلاف منازلهم - كنت قد قرأت هذه العبارة في احد الكتب قبل سنوات عديدة منسوبة لنابليون بونابرت أحد الزملاء السابقين في الحافلة-
فقد توزع العابرون على درجات مختلفة وكل يوم يتم تصنيفهم ويعاد تصنيفهم ويصار إلى ترفيعهم وتخفيضهم بين الدرجات وفقا لمقتضيات ومصالح ورغبات بعض الركاب، ومع مرور الازمان تم تأصيل هذا التفاوت بين الركاب وأصبح عرفا لا يستطيع أحد ان يفكر أو يتصرف بعيدا عن الاطر التي سنها هذا العرف بين المسافرين على نفس الحافلة.

في كل يوم يزداد المسافرون غطرسة حتى ظن بعضهم أنهم يستطيعون قيادة الحافلة والتحكم بها ونسي الكثير منهم ان محطة النهاية جاهزة ومعدة لاستقبال المسافرين على اختلاف درجاتهم وأرصدتهم الرقمية عندما تحين لحظة المغادرة.

الحكمة هنا إذا كانت الارض بجلالة قدرها تصفر العدادات كل سنة فلماذا يصفر العابرون المسافرون عداداتهم التقويمية وحسب؟ لماذا لا يزيدوا كل عام فضيلة جديدة واحدة أو يتخلصوا من عادة أو فكرة واحدة غير نافعة  كالعدد الوحيد الذي زاد على أعمارهم.

وعلى راي المثل الذي اخترعته للتو "صفروا منها ما استطعتم فكل تصفيرة وفيها خيرة"