لماذا يستفسر دبلوماسيون عن الأقصى؟

ماهر أبو طير

على مدى يومين، اي الاربعاء والخميس الماضيين، اقتحمت مجموعات اسرائيلية المسجد الاقصى، بحماية الجيش والشرطة الاسرائيلية، وهذه الاقتحامات ليست الاولى من نوعها.
هناك ضغط اسرائيلي كبير جدا على الحرم القدسي، وهو ضغط زاد خلال السنوات القليلة الماضية، ويكفي ان نعرف ان عدد الذين اقتحموا المسجد الاقصى خلال العام الماضي تجاوز اربعة وثلاثين ألف اسرائيلي، على شكل مجموعات تقتحم المسجد يوميا، او كل يومين، بذرائع دينية، او خلال مناسبات معينة، واحيانا تتم الاقتحامات على فترتين، صباحية ومسائية.
الذي يقول لك ان هذه اقتحامات باتت عادية، يتعايش معها المقدسيون، لا يدرك من الواقع شيئا، لأن ايقاعها زاد، وعدد المشاركين بها يرتفع، كل مرة، بما يؤشر على سياسات جديدة تتبناها الحكومات الاسرائيلية، وتقدم عبرها الدعم لمجموعات المقتحمين للمسجد الاقصى والحرم.
هناك على الصعيد الدولي من يخفف من خطورة الوضع، ويسأل بعض المحليين من جهات دبلوماسية، سراً، عن سبب الاعتراض، تحت مظلة كلام يقول ان المسلمين يصلون، فلماذا لا تسمحون لغيرهم بالصلاة، ما دامت هناك خلافات حول الموقع ذاته، واذا كان اسلاميا، او يهوديا، وهذه التساؤلات تتدفق عبر جهات عدة في هذا التوقيت، يترافق معها استفسارات حول أهمية الرعاية الاردنية، من جهة، ومدى الضرر الذي قد يقع اذا تغير واقع السيادة في الحرم.
المسجد الاقصى ليس مجرد موقع قديم، على سبيل المثال، او موقع حجري اثري، اذ له دلالة دينية كبرى، لا يمكن تجاوزها، ولا تصغيرها، او التلاعب فيها، وليس ادل على ذلك ان المسجد الاقصى تسبب أكثر من مرة في انفجار كبير داخل القدس وكل فلسطين، وليس ادل على ذلك من الانتفاضة الثانية التي انفجرت بعد اقتحام شارون للحرم القدسي، وما شهدناه بعد شهر رمضان من العام الماضي، وهذا الجانب الديني له وجه سياسي، يتعلق بالنظرة الى القدس باعتبارها مدينة فلسطينية، وعاصمة مفترضة للدولة العتيدة التي لم تقم حتى الآن، وهذا يعني ان تبسيط الامر تحت عنوان يقول صلوا كما تريدون ودعوهم يصلون ايضا، تبسيط ساذج جدا.
من ناحية تحليلية فإن ما يجري ضد الحرم القدسي، يؤشر على سيناريوهات مقبلة على الطريق، وهي سيناريوهات سبق الحديث عنها مرارا، لكن الذي يزيد من حدة الخطورة هذه الايام، عدة اعتبارات، ابرزها تمدد اسرائيل سياسيا، على مستويات مختلفة، وثانيها ان موجات الاقتحام تتزايد ولا تتراجع، وثالثها ان المتطرفين وبرعاية الحكومة الاسرائيلية لن يكتفوا بالاقتحامات، وسيصلون الى مرحلة يريدون فيها تنفيذ بقية المخطط الاسرائيلي داخل الحرم القدسي.
هذا يعني ان التهاون ازاء ما يجري سيقود الى نتائج وخيمة، قد يكون من بينها تقاسم الحرم القدسي، مكانيا او زمنيا، وصولا الى تدهور الاوضاع الامنية داخل القدس وكل فلسطين.
كل الضمانات الاسرائيلية التي يتم تقديمها، وكل التعهدات بشأن الحرم القدسي، قد لا تبقى الى ما لا نهاية، لاعتبارات كثيرة، وهذا يعني ان الركون الى الاتصالات السياسية فقط، او هذه الضمانات والتعهدات، ركون غير منتج، حتى لو تبين حاليا انه يؤدي الى نتائج، وليس ادل على ذلك من علاقات اسرائيل السياسية المنفحتة مع اطراف عدة في المنطقة، وفي السياق ذاته لا يتم التوقف عما يجري داخل الحرم القدسي، وكأننا امام مسربين منفصلين، لا علاقة بينهما.
تعرض الاقصى الى محطات سيئة في تاريخه، وتعجب فقط من الذين يقولون لك ان المسجد الاقصى طوال عمره تحت التهديد، وأن هذا الامر يعد متوقعا، وان علينا التركيز على ما يجري في بقية فلسطين، وتأثيرات الاحتلال الكلية على مجمل الاوضاع الانسانية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والسياسية، واذا كان هذا الكلام في ظاهره يبدو صحيحا، الا ان خلفه محاولة لإخلاء المسؤولية حول ما يجري في القدس، التي تعد المدينة الاهم في كل المشروع الاسرائيلي.
لقد عشت حتى سمعت احدهم يقول: وماذا يعني هدم المسجد، فالمسجد المقام حاليا، ليس هو القديم، والاقصى هو الموقع، وليس الحجارة الحالية، واذا تم هدمه سيعاد بناؤه مجددا، وهكذا يصل التخاذل وقلة الحيلة الى اعلى مستوياتهما، بعد ان فقدنا روابطنا بكل ما يخصنا في حياتنا.
علينا ان نفتح عيوننا جيدا على ما يجري في القدس هذا العام؟.